ما بعد إقالة السيد عبد الإله بنكيران
المصطفى معتصم
بغض النظر عن الدوافع التي أعاقت تأسيس الحكومة برآسة السيد عبدالإله بنكيران فإن خمسة أشهر من مدة المشاورات الفاشلة جعلت العديد من المراقبين المحلين والدوليين وعموم المغاربة يتساءلون إلى أين يمضي المغرب بهذا البلوكاج السياسي في وضع سوسواقتصادي وسياسي لا يحتمل وأمام جسامة الإنتظارات والاكراهات التي تحاصر المغرب ، ومنها من لا يحتمل التأخير والإرجاء وفي ظل المخاطر والتحديات التي قد يجد المغرب بل كل المنطقة المغاربية نفسها أمامها في حالة رحيل الرئيس الجزائري ودخول هذه البلاد الجارة - لا قدر الله- في مرحلة من عدم الاستقرار .
كما أن تدشين المغرب لسياسة إفريقية جديدة تستلزم وجود حكومة تواكب تطور العلاقات المغربية الإفريقية و تعمل على انجاح الأوراش التي دشنها المغرب في أكثر من بلد إفريقي .
الزمن ليس زمن البحث عن ما يدين الآخر ويحمله أسباب فشل تأسيس الحكومة ، إذ من المفروض اليوم أن تستغل كل الأطراف المعنية بتأسيس الحكومة الفسحة الزمنية المتاحة قبل انطلاق موجة من المشاورات الجديدة للوقوف على الأسباب الذاتية والموضوعية التي أدت لاستمرار البلوكاج لمدة خمسة أشهر والتفكير في سبل تجاوزها .
قد يكون ما حدث أشبهه بفريق لكرة القدم له رئيس كفؤ ولاعبين مقتدرين وجمهور رائع ومدرب له صيت عالمي ولكن النتائج تكون عكس التوقعات . في مثل هذه الحالات غالبا ما يُلجأ إلى تغيير المدرب أمام استحالة تغيير اللاعبين على أمل أن تحدث " انطلاقة جديدة" ( dėclic ) للفريق . فبنفس اللاعبين وبتغيير طفيف في تموقعهم وخطة لعبهم مع الحرص على عدم فقدان الفريق لهويته، قد تأتي النتائج المتوخاة . وسواء غير حزب العدالة والتنمية مواقفه من التفاصيل التي أدت إلى عرقلة تأسيس الحكومة برآسة السيد عبدالإله بنكيران أم لا فأكيد أن شخصية وعقلية ونفسية الرئيس المعين المرتقب ستكون لها دور رئيسي في إدارة المشاورات .
من هنا أحب أن أنوه إلى أن أحسن ما يمكن أن تقوم به الأحزاب المعنية بتشكيل الحكومة -وكل الأحزاب المغربية معنية - هو أن تقلل من الكلام والبيانات ومن الدخول في السجالات البوليميكية في ما بينها .
عندما تقرأ وتستمع إلى ما يقوله الكثير من المنتسبين للعدالة والتنمية أوالمتعاطفين معها وحتى بعض المعارضين اليساريين والإسلاميين الرافضين للعبة السياسية تجدهم يهاجمون التجربة السياسية المغربية الجارية ويسمونها بأنها غير ديمقراطية ومتحكم فيها بدلالة ما عشناه في الخمس أشهر الأخيرة من بلوكاج وعبث سياسي . وأقول لكل هؤلاء مع احترامي الشديد لرأيهم وموقفهم أن الدلائل على قصور التجربة السياسية سواء على المستوى الدستوري أو على مستوى الواقع كثيرة من أن تحصى وتعد وليس هناك عاقل يدعي بتمام ونضج التجربة الحالية فلا زلنا إزاء الانتقال إلى الديمقراطية بكل ما تعنيه كلمة الانتقال من عوائق فكرية وأيديولوجية وطبقية تغديها التمثلات القبلية الخاطئة ويغديها الخوف من الآخر المختلف ومن مخاطر الارتداد والنكوص على الأعقاب . ولكن اسمحوا لي أن أنوه أن ما حدث ومهما كان رأينا فيه وموقفنا منه فهو من صلب العملية الديمقراطية . لقد اكتشفنا بواسطة " المسبار الديمقراطي "الوجه المخفي من الديمقراطية وهو وجه غير مشرق وبه الكثير من النذوب و العيوب والنواقص ، هاجمها على سبيل مثال لا الحصر من قبل ماركس ولينين وهاجمها من بعد شومسكي بعد أن أحصى نقاط ضعفها ومثالبها ودسائسها وعدها عَداًّ . فمن بين ما ينتقده ماركس في الديمقراطية أنها تبرر وتشرعن لحكم الأقلية في مواجهة الأغلبية . أما لينين فقد اعتبرها من مخلفات النظام بورجوازي العفن.