الجديد: يتفاعل بعض الكتاب تفاعلًا مباشرًا مع المشهد السياسي المصري الراهن، ومنه الانتخابات الرئاسية الأخيرة في مارس 2018، بين مشارك بإدلاء الصوت بدون الإعلان عن اختيار محدد، ومشارك بموقف محدد، ومنسحب أو متجاهل للعملية برمتها، إلى آخر هذه الاختيارات، التي منها أيضًا الاكتفاء بالكتابة الإبداعية عما يحدث، من خلال الإسقاط السياسي باعتبار أن ذلك يكفي الأديب لبلورة موقفه. إلى أي من هذه الاختيارات تنحاز؟ ولماذا؟
صنع الله إبراهيم: أنا نفسي قررت مقاطعة الانتخابات الرئاسية الأخيرة (26- 28 مارس) لعدم توفر الشروط التي توفر لها الشفافية اللازمة، ويجب توجيه التحية لمن أعلنوا هذا الموقف بشجاعة، ودعوا الجماهير إلى مقاطعتها.
الجديد: يُتهم اليسار المصري من قبل البعض بعدم قدرته على إعادة التشكّل للتعاطي الواقعي مع مستجدات الأرض سياسيًّا وفكريًّا، والاشتباك الإيجابي سواء بالمعارضة أو المشاركة القائمة على التفاعل وحق الاختلاف.. كيف ترى المشهد؟
صنع الله إبراهيم: تعرض اليسار المصري إلى أشكال من القمع المتواصل منذ عشرينات القرن الفائت، عندما أقدم سعد زغلول على حل الحزب الشيوعي الوليد ومحاكمة أعضائه. وفي ظل ظروف الاضطهاد يجري الالتجاء إلى العمل السري مما يعطي مجالًا للأخطاء والانحرافات، وهو الآن ممنوع من أية معارضة ولا تتاح له فرصة المشاركة، بل إن الأمر طال كل التيارات الليبرالية البعيدة عن اليسار.
الجديد: الجمالي والسياسي في امتزاجهما العفوي، وأيضًا الذهني، يخلعان على الإبداع الروائي قدرًا من الخصوصية المحلية عند طرح قضايا إنسانية عامة تخاطب البشر في كل زمان ومكان. هل ترى انغماس الرواية في تشريح مجتمعها وترصُّدها للواقع الشعبي والسياسي يمثل قيدًا على عالمية الأدب عند ترجمته؟ أم أن جماليات الطرح كافية لتدويل الموضوع واستقطاب القارئ/ الإنسان إلى البؤر المحلية الطازجة؟
صنع الله إبراهيم: بالعكس، الانغماس الذي تتحدث عنه هو الذي يميز الرواية ويعطيها أهمية ويخلق ضرورة ترجمتها. ثم إن أهم شيء بالنسبة إلى الكاتب هو أن يُقرأ أولًا في بلده وبلغته. عدا ذلك أمر ثانوي.
الجديد: الروائي حين يكتب التاريخ، كما في روايتيك “اللجنة” (عن سياسة الانفتاح الاقتصادي في عهد الرئيس المصري أنور السادات) و”بيروت بيروت” (عن الحرب الأهلية في لبنان)، هل يمكن محاسبته محاسبة المؤرخ على المعلومة بما يعني التجريد والموضوعية، أم أن الخيال الروائي وذاتية الكاتب يفتحان الباب أمامه واسعًا لرؤية نسبية يعتمل فيها الخلق والتأليف خارج التاريخ، وعلى هامشه؟
صنع الله إبراهيم: هذا سؤال جيد. إذا كُتبتْ كلمة رواية على الغلاف، فمعنى ذلك ألا تُعامل ككتاب تاريخ، رغم أنها قد تقدم الواقعة التاريخية على حقيقتها غير الصورة الكاذبة التي تقدمها كتب التاريخ أو تقدم تفسيرًا لها. من ناحية أخرى، فإن كلمة رواية تعني أن الكاتب من حقه أن يتصرف في المعلومة بحسب رؤيته.
الجديد: قلتَ من قبل إن مهمة الكاتب ليست انتقاد النظام وحسب، فكيف تصوّر مسؤولية الكاتب الآن في ظل معطيات ضبابية بل مأساوية تحيط بالمشهد العربي ككل، من أزمات وحروب ونزاعات وفشل للثورة المصرية والثورات العربية في تحقيق أهدافها المنشودة؟
صنع الله إبراهيم: مهمة الكاتب الأولى أن يفهم هو نفسه ما يجري حوله، ويساعد الناس على الفهم. عنده أسلحة كثيرة تشمل الغمز واللمز والسخرية، وهذه الأسلحة تثري العملية الإبداعية.
الجديد: من وجهة نظرك، ما أبرز العراقيل التي تقف في وجه كل من الديمقراطية والعلمانية والحرية، في مصر والمجتمعات العربية؟
صنع الله إبراهيم: السلطة القائمة والمحصنة بالقوة المسلحة وبالتقاليد الرجعية وبطبقة من المستفيدين من رجال الأعمال وكبار تجار المخدرات ووكلاء الشركات الأجنبية، والتي تسيطر على وسائل الإعلام.
الجديد: يكثر الحديث عن تجديد الخطاب الديني واجتثاث منابع الإرهاب وخوض حروب لمواجهة التيارات الظلامية. هل ترى اهتمامًا كافيًا من السلطة الراهنة بدور القوة الناعمة في هذه الميادين، أم أن التركيز لا يزال منصبًّا فقط على الحلول الأمنية وحدها رغم قصورها وتقصيرها؟
صنع الله إبراهيم: الأمر يتطلب فتح المجال العام للنشاط السياسي من معارضة واجتماعات ومظاهرات ومنابر مستقلة وحيوية تثقف الجماهير.
الجديد: يبتعد المسار السياسي أحيانًا عن المأمول، لكنه بقدر من الوعي والتفتح يمكنه العودة إلى البوصلة الصحيحة. كيف تصف روشتة أساسية لتوجيه الحراك السياسي والمجتمعي بمصر، سواء بالنسبة إلى المؤسسة، أو إلى النخبة، أو بالنسبة إلى فئات الشعب؟
صنع الله إبراهيم: كل شيء يبدأ من العقلية العسكرية التي تحكم. فأنت في الجيش لا تناقش وعليك أن تنفذ وإلا تعاقب. والحياة اليومية معلقة بأمر القائد الذي قد يكون مخمورًا أو مخدرًا. في بداية حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي أصدر أمرًا بأن يكون كل موظف حكومي خلف مكتبه في السابعة صباحًا. لم يكن هذا الأمر واقعيًّا بالنظر إلى ظروف الموظفين، فبعضهم يسكن في أماكن خارج القاهرة. على هذه العقلية أن تقبل وجود رأي مخالف بل آراء مخالفة ووجهات نظر أخرى. نحن في حاجة إلى صحف معارضة وأحزاب تساندها تستطيع الحركة في الشارع.
الجديد: قبلتَ الرئاسة الشرفية لاتحاد كتاب مصر لمدة عام اعتبارًا من ديسمبر 2017، فهل ترى الاتحاد كيانًا فاعلًا يقوم بدوره المرجوّ؟ وما توصياتك له كرئيس شرفي؟
صنع الله إبراهيم: اتحاد الكتاب يقوم بدوره في حدود رسمتها السلطة منذ تأسيسه. لقد شاركت في تأسيسه أواخر عهد السادات واشتركت في أول انتخابات يعقدها. وكان يوسف السباعي الوزير (وزير الثقافة) يتابعها بالتليفون مع أذنابه. منذ اللحظة الأولى حرصت السلطة على السيطرة عليه، وبالرغم من ذلك استطاع الاتحاد في بعض الفترات أن يكون قوة فاعلة في المحيط السياسي، وأتمنى تحقيق ذلك في ظل قيادته الحالية.