لم يجد مجلس المنافسة بدا من التحذير صباح الأمس الخميس بمقره بالرباط من ارتفاع هوامش ربح المنعشين العقاريين التي تفوق في بعض الحالات 100%. خلاصات الدراسة التي قدمت في ورشة بعنوان "مساعدات الدولة والمنافسة: حالة قطاع السكن" أكدت الخلاصات التي كان خرج بها مكتب الخبرة "ماكينزي" سنة 2009 وأثارت ضجة حينها.
وحتى لا تثير الدراسة الجديدة لمجلس المنافسة نفس الضجة التي خلفتها دراسة "ماكينزي", تناول الكلمة عبد العالي بنعمور بمجرد الانتهاء من عرض تفاصيل الدراسة في ورشة حول موضوع "مساعدات الدولة والمنافسة: حالة السكن", محاولا التخفيف من التأويلات التي يمكن أن تعطى حول الخلاصات: "هذه الخلاصات أولية فعندما نفوض مكتب خبرة للقيام بدراسة فإن الخلاصات التي يخرج بها تخصه ولا تخص مجلس المنافسة. أما الدراسات التي يقوم بها خبراء المجلس داخليا فإن خلاصاتها تعد اجتهاد داخليا قابلا للتصحيح والتطوير".
لماذا اختار مجلس المنافسة قطاع العقار؟ لأنه يدخل ضمن مجلس المنافسة ويعد الأول في الإعفاءات الضريبية. فالأرقام تتحدث عن كونه في الميزانية التي تخصصا الدولة للدعم: "يأتي قطاع السكن ب 19% في المرتبة الثانية بعد صندوق المقاصة المستحوذ على 71%, بينما تحظى الصناعة فقط ب 1% من هذا الدعم. ولكي نفهم الأمر علينا مقارنته بالدول الأوروبية التي نجد أن دعم الميزانية للصناعة يأتي في المرتبة الأولى" يقول محمد الخطابي, مقرر بمجلس المنافسة. دور القطاع في الاقتصاد الوطني يبرز أيضا من خلال القروض الممنوحة, فبينما تحصل السكن على 30 مليار درهم كقروض سنة 2005, ارتفع هذا المبلغ إلى 180 مليار درهم سنة 2010 وهو ما يشكل 30% من القروض الإجمالية.
سنة 1990, كان عرض السكن 56 ألف وحدة وانتقل إلى 127 ألف وحدة سنة 2009 وهو ما يعني أن نسبة النمو بلغت 4,9% مقابل 1,2 نسبة النمو الديمغرافي. أما الطلب, فيصل إلى 125 ألف وحدة كل سنة, تقسمه الدراسة إلى 65% يهم طلبات من الأشخاص الذاتيين و25% طلب للمضاربة أما 10% المتبقية فتهم طلب قادم من الخارج. التفاوت الواضح بين الطلب والعرض هو ما يطرح مشكل العجز خصوصا أن سنة 2010 تعرف تعداد 125 ألف أسرة والتي من المتوقع أن تبلغ 145 ألف سنة 2015.
وعن النوع الأول من المساعدات الخاصة بالمجال الضريبي, تم تفويت على خزينة الدولة 29,8 مليار درهم سنة 2010 لترتفع الإعفاءات الضريبية السنة الماضية إلى أكثر من 32 مليار درهم. هذ الرقم الكبير يعلق عليه خالد البوعياشي, المقرر العام للدراسة بأنه: "يمثل 3,7% من الناتج الداخلي الخام". على أن مساعدات الدولة لقطاع السكن والتي يستفيد منها في جزئها الأكبر المنعشون العقاريون لا تقتصر على المجال الضريبي, بل تهم أيضا أراضي الدولة التي تمنحها بأسعار تفضيلية. فمن 1999 إلى 2003, عبأت الدولة 3114 هكتار ومن 2004 إلى 2009 ارتفعت المساحة إلى 9703 هكتار.
ثالث نوع من المساعدات بعد الإعفاءات الضريبية والأراضي التي عبأتها الدولة لفائدة السكن, تهم المساعدات المالية من خلال صندوق تضامن السكن وذلك من خلال فرض ضريبة على 0,2 درهم عن كل كيلوغرام من الاسمنت. كما أن صندوق "فوكاريم" الخاص بضمانات التي تقدمها الدولة للمواطنين أصحاب الدخل غير المنتظم ليحصلوا على قروض بنكية, استهلك 1,2 مليار درهم منذ 2002 إلى 2010.
لكن الدراسة, وإن تحدثت عن المساعدات إلا أنها لم تغفل الجوانب السلبية التي يمكن أن تشكلها من خلال تحويل تلك المساعدات في غير الأهداف المرصودة لها, خلق حالات ريع, تقوية روح الاتكال أو استعمالها لأهداف سياسية. رغم أن دوافع منح مساعدات من طرف الدولة لفائدة المنعشين العقاريين يجد له مسوغات مثل تصحيح حالات الاحتكار بمساعدة مقاولات جديدة على التطور أو تشجيع النمو.
الخلاصات التي خشي بنعمور أن تثير ضجة تمحورت بالأساس حول انعدام الشفافية وغياب المعلومات حول مساعدات الدولة لقطاع السكن لغياب منظومة قانونية خاصة بهذه المساعدات, غياب التقييم من طرف الدولة لهذه المساعدات, المساعدات تؤدي إلى اختلالات كبيرة من بينها ضعف الجودة وغياب المعايير التقنية في قطاع السكن وارتفاع هوامش الربح بقطاع العقار يؤدي إلى إفراغ القطاعات الأخرى والمزاحمة على قطاع العقار مما يشكل خطرا على الاقتصاد الوطني برمته على المدى المتوسط والبعيد.
ويبقى أكبر اختلال يعاني منه القطاع, يهم نقطة جوهرية أشارت إليها إحدى خلاصات الدراسة وذلك من خلال تدخل الدولة في قطاع السكن بقبعتين, الأولى بصفتها منظمة للقطاع ووصية عليه وأخرى كفاعلة اقتصادية عن طريق العمران والشركة الوطنية العقارية, وهو الأمر تشدد الدراسة على كونه مفارقة كبيرة واختلالا يضاف إلى الاختلالات التي على الدولة حلها للخروج من الوضعية الحالية لقطاع حيوية مثل قطاع السكن.