تحول بعض اليساريين القدامى الذين تربوا في اديولوجية ديكتاتورية البروليطاريا إلى سجناء داخل قوقعة اديوليوجية تحجب عنهم متغيرات المرحلة.
وبالعودة لمداخلة عبد الله الحريف الأخيرة بمكتبة الكرامة حول "موت السياسة" لا يمكن أن نستشف من كلامه سوى موت الفكر الذي يروج له صاحب المداخلة بل لموت الذات العارفة بهذا الخطاب لتتحول لمومياء محنطة.
فمن الأسباب المباشرة لفشل مشروع إلى الأمام و عودته إلى الوراء هو العمى الاديولوجي للثورجيين الذين يخلطون بين كل شيء للاستفراد بالرأي كما فعلت الستالينية و الماوية بمشروعها الفاشل " الثورة الثقافية" الذي انتح لنا نظاما مجرما بالكنبودج أباد الملايين بحجة تركيز المجتمع الثوري.
إن من بين الشعارات الفضفاضة و التي عفا عنها الزمن و المرحلة الراهنة مسيرة قرن من الزمن لم تستسغه بعد الأصوات الحالمة بالثورة و بالمجمع التي تسود فيه الملكية الجماعية. و الحقيقة أن كل التنظيمات السياسية و حتى ما يسميه الثورجيون بالجماهير الشعبية، لا تكترث لما يدبجه اليساريون القدامى من خطب و شعارات رنانة في ندواتهم التي لا يحضرها سواهم.
فالإسلاميون التهموا في طريقهم الجماهير و تركوا للحريف و بقايا إلى الأمام الشعارات، من قبيل الدولة البورجوازية و الطبقة الكومبرادورية و إلى ما يتصل بتلك المفاهيم الخشبية المنجورة من قاموس القرن الماضي.
و المؤسف أن بيانات هؤلاء تتحدث دائما عن توحيد اليسار و الصف الديمقراطي، في حين أنهم يتحدثون عن التحالف مع مشروع عدمي ماضوي شبيه بولاية الفقيه و هو ما يجعل من المشروعين وجها لعملة واحدة جوهرها الاستبداد الفكري و التحكم إما بالستالينية آو باسم الدين و الشريعة و الخلافة الراشدة.