قال وزير الخارجية و التعاون سعد الدين العثماني في الجلسة البرلمانية الاثنين لتسليط الضوء على المستجدات في قضية الصحراء المغربية، أنه إذا كان هناك من مطلب حقوقي آني ومستعجل فهو إحصاء المحتجزين في مخيمات تندوف، وضمان الحماية الدولية اللازمة لهم من قبل المفوضية السامية للاجئين، وتمكينهم، خاصة الأطفال والنساء والمسنين، من العودة إلى أهلهم ووطنهم المغرب كما تقر بذلك المواثيق الدولية واتفاقيات جنيف للاجئين .
و اعتبر العثماني أن التهديدات الأمنية في المنطقة متزايدة، ومخاطرها على دولها وشعوبها تقتضي اتخاذ كل الاحتياطات اللازمة لمواجهتها والوقاية منها. وهذا الاقتراح يفتح الباب على مصراعيه للفوضى الأمنية. إن الذين يدفعون نحو تأزيم الموقف واستمرار الجمود وإطالة أمد الصراع، يريدون أن يلتحق شمال إفريقيا بنادي الدول الفاشلة ومنطقة الفوضى الخلاقة الممتدة من القرن الإفريقي إلى مشارف المحيط الأطلسي. حيث السيادة للجماعات المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة، وحيث الغياب التام للقانون والدولة .
و قال وزير الخارجية و التعاون أنه مند تقديم المملكة المغربية فيوزير الخارجية 2007 للمبادرة الخاصة بالحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية، لاحظنا أن جبهة الانفصاليين تعمد بشكل ممنهج إلى توظيف حقوق الإنسان "كحق يراد به باطل" واتخاذ هذه القضية ذريعة لعدم الانخراط بشكل جدي في البحث عن حل سياسي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل، بهدف إطالة حالة الجمود والالتفاف على الحل الواقعي والتوافقي الذي اقترحه المغرب والذي تلقاه المجتمع الدولي بالقبول والاستحسان .
و ذكر العثماني بإن الدبلوماسية المغربية التي لاحظت تآكل مسار المفاوضات، لم تغب عنها هذه المحاولات المكشوفة لتغيير مهمة المينورسو، وهو ما قادها إلى تعبئة جهود استثنائية ودق ناقوس الخطر في السنة الماضية. مضيفا أنه لما عاد المبعوث الشخصي للأمين العام إلى المنطقة لاستئناف مهمته في إطار "الدبلوماسية المكوكية" التي اقترحها كأداة من أجل التحضير للمفاوضات الرسمية؛ بعد توقف دام 05 أشهر، جاء ذلك بعد الاتصال الهاتفي للسيد بان كي مون مع جلالة الملك يوم 25 غشت 2012، حيث قدم ضمانات حول طبيعة مهمة مبعوثه الشخصي ومعايير التفاوض وأسس عمل الأمم المتحدة التي لن تعرف أي تغيير.
فالهدف من زيارة روس الأخيرة إذا، وبحسب السيد روس نفسه كان هو"إجراء نقاش عميق مع الأطراف حول سبل إعادة إطلاق مسلسل المفاوضات حسب زمن وشكل محددين"، كما ركز السيد روس على التوافق كعنصر أساسي، وهو ما سبق للمغرب أن قام به في مبادرته الخاصة بالحكم الذاتي باعتباره حلا مفتوحا وذا مصداقية كفيلا بوضع حد لهذا النزاع الذي يتسبب في عقود من التفرقة.
وبما أن هذه الزيارة تزامنت مع بدء معالجة مجلس الأمن لقضية الصحراء المغربية؛ فقد كانت مناسبة عبر المغرب للمبعوث الشخصي خلالها على العديد من النقاط ومنها:
• الانخراط والتعاون التام مع جهود الأمم المتحدة من أجل البحث عن حل عادل وواقعي. وفي هذا الإطار، يتعين على الأطراف الأخرى أيضا أن تبدي روح توافق وانفتاح مماثلين.
• التشبث الدائم بتعميق علاقات الأخوة وحسن الجوار مع الشقيقة الجزائر، وكذا التزام المملكة ببناء اتحاد مغاربي، قادر على الاستجابة للتحديات والتهديدات المتعددة التي تواجهها المنطقة.
• التأكيد على ضرورة تسجيل وإحصاء ساكنة مخيمات تندوف بالأراضي الجزائرية، باعتبارهما شرطين أساسيين لأداء المفوضية السامية للاجئين مهامها في تقديم المساعدة الإنسانية الضرورية لهم، وفقا لما تنص عليه اتفاقية 1951.
• استمرار المغرب في جهود تنمية الأقاليم الجنوبية، والتي تتعزز بالأعمال التي يقوم بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول نموذج التنمية الاقتصادية بالصحراء، وهي الأعمال التي ستشكل قطب الرحى لتطبيق فعال لمسلسل انطلق فعلا يتعلق بالجهوية المتقدمة.
• مواصلة المغرب التعاون مع المينورسو للقيام بمهمتها وواجباتها وتسهيل الجانب اللوجيستيكي المتعلق بتنفيذ تدابير بناء الثقة، خاصة منها عمليات تبادل الزيارات العائلية، ولكنه حريص أشد الحرص على عدم تحريف أو تسييس مهمتها المنحصرة في مراقبة وقف إطلاق النار.
لذلك فإن أي مقترح حول إحداث آلية تابعة للمينورسو لمراقبة حقوق الإنسان، يحدث قطيعة مع الجهود المبذولة من أجل انطلاقة جديدة وواعدة للعملية السياسية، على أساس خلاصات الجولة الأخيرة للمبعوث الشخصي للمنطقة، ويلحق ببلادنا ضررا بالغا، لكونها الطرف الأكثر التزاما بالعملية السياسية.
و فيما يخص تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الصحراء المغربية بتاريخ 08 أبريل الجاري، قال العثماني أنه تضمن إشارات ايجابية جدا لصالح المغرب، إلا أنه مع ذلك بقي غير متوازن، وعرض لعدة مغالطات، فقد أشاد بمجهودات بلادنا في سبيل تعزيز منظومة حقوق الإنسان، وخاصة بالدور الذي يقوم به المجلس الوطني لحقوق الإنسان في أقاليمنا الجنوبية، ونوه بانفتاح المغرب على الآليات الأممية في مجال حقوق الإنسان؛ كما رحب بمحتوى الورقة التأطيرية التي تشكل الأساس والنموذج للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في أقاليمنا الجنوبية؛ وتحدث صراحة ولأول مرة، عن أهمية تطبيع العلاقات بين المغرب والجزائر وفتح الحدود. كما أشار التقرير إلى ضرورة معالجة هذا النزاع في إطار استراتيجية أوسع لمنطقة الساحل لأنه نزاع يهم بالدرجة الأولى شمال إفريقيا؛ وإلى الرسائل التي بعثت بها إليه بوصفي وزير الشؤون الخارجية للمملكة المغربية، أطلعته من خلالها على مواقف المغرب بشأن ثلاثة مواضيع رئيسية متعلقة أولا بالمسلسل السياسي والقضايا المرتبطة به وباحترام اتفاق وقف إطلاق النار؛ وثانيا بالمطالبة باتخاذ الإجراءات اللازمة لإحصاء ساكنة تندوف في الجزائر، وثالثا بالورقة التأطيرية للتنمية في الأقاليم الجنوبية التي أعدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
إلا أن التقرير خصص حيزا ضئيلا للمسلسل السياسي، وأفرد في المقابل ثلاث صفحات لموضوع حقوق الإنسان داعيا في إحدى الفقرات إلى إنشاء آلية لمراقبة حقوق الإنسان، مستقلة و نزيهة وشاملة ودائمة، في حين نصت فقرات أخرى على أن الأمر يتعلق بعنصر حاسم لحل النزاع.
وتضمن التقرير أيضا تحيزا واضحا لبعض الأطروحات المغرضة التي تروج لها الأطراف الأخرى التي تتحدث عن إمكانية تعاون جبهة الانفصاليين مع أجهزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بينما يبقى هذا الأمر في الواقع، محصورا فقط على الدول ذات السيادة الأطراف في الاتفاقيات الدولية.
و عقب صدور تقرير الأمين العام، تفاجأت المملكة المغربية بعدما علمت عن طريق القنوات الدبلوماسية، باقتراح للتنصيص في قرار مجلس الأمن على توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في أقاليمنا الجنوبية.