أطلق المئات من قضاة المملكة صرخة مدوية كانت عبارة عن وقفة حاشدة في ردهات محكمة الاستئناف بالقنيطرة يوم الجمعة الماضي للتنديد من جهة بحالات الاعتداء والتهجم بل والتهديدات التي تعرض لها عدد من القضاة بمجموعة من المحاكم، ومن جهة أخرى بالصمت المريب الذي نهجته الدولة، حسب قولهم، اتجاه تنامي هذه الاعتداءات وعدم حزمها في الالتزام وتطبيق الفصل 20 من النظام الأساسي للقضاة الذي يحملها مسؤولية ضمان حماية القضاة من كافة أشكال التهديد أثناء قيامهم بمهامهم.
الوقفة التي اختار القضاة أن يعمها الصمت دون الصدح بأية شعارات، كتعبير رمزي عن مختلف الممارسات التهديدية في حقهم والتي تحاول إسكات أصواتهم، بل وكتعبير عن حالة الغضب التي باتت تعم صفوف القضاة بعدد من الجهات وتنذر بخطورة الموقف، شارك فيها أكثر من 320 قاضيا وقاضية وملحقا قضائيا قدموا من مختلف محاكم المملكة، مؤازرين بمجموعة من المحامين وأعضاء كتابة الضبط، جاءت بمبادرة من المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالقنيطرة كإحدى الدوائر القضائية التي تعرض فيها الجسم القضائي لسلسلة من التهجمات والإهانات كان أبطالها أحيانا برلمانيين وبعض المحامين بل ومتقاضين.
وأكد ياسين مخلي، رئيس نادي القضاة بالمغرب، عقب هذه الوقفة التي امتدت على مدى ساعتين، على استعجالية اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية القضاة من التهديدات والنيل من سمعتهم والتي يهدف أصحابها في الغالب التأثير على استقلالية القضاء والقضاة أثناء أدائهم لمهامهم، مشددا على تفعيل الفصل 20 من النظام الأساسي للقضاة والذي ينص على أن الدولة تحمي القضاة من التهجمات والتهديدات والسب والقذف الذي يتعرضون له أثناء قيامهم بمهامهم، ف «إخلال الدولة بهذا الالتزام يشجع على استمرار العديد من الممارسات التي تحاول أن تضرب في العمق استقلال القضاء والتحقيق السليم لمبدأ العدالة «، يشير مخلي.
وأضاف رئيس نادي القضاة أن ضمان الدولة لحماية القضاة ينص عليه ليس فقط النظام الأساسي للقضاة في الفصل 20 منه بل مختلف صكوك واتفاقيات حقوق الإنسان العالمية والمبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية الصادرة سنة 1985 والتي أكدت جميعها على ضرورة تأمين الحماية لقضاة الحكم وقضاة النيابة العامة أثناء ممارستهم لمهامهم المهنية من مختلف أشكال التهديد والتهجم التي قد يتعرضون لها سواء كان انتقادا علنيا أو تهديدا صادرا عن السلطات الحكومية أو السلطة التشريعية، لما لذلك من تأثير على استقلالية ونزاهة هيئة القضاء.
وأبرز المتحدث أن مطالب القضاة تتمحور بهذا الخصوص أساسا في توفير الأمن بالمحاكم واتخاذ وزارة العدل والحريات الإجراءات القانونية الجاري بها العمل في مثل هذه الحالات والتي يتضمنها القانون الجنائي المعمول به حاليا، مستطردا بالقول «إن الملف المطلبي لنادي القضاة ملف متكامل يجمع بين مطالب توفير الحماية للقضاة التي يعتبرها إحدى المقومات الأساسية لاستقلالهم، ومطلب التنزيل السليم للمقتضيات التي يتضمنها الدستور في الباب الخاص باستقلال السلطة القضائية على اعتبار أن استقلال السلطة القضائية والقضاة مرتبط بحمايتهم من التأثيرات والتهديدات والتهجمات أيا كان مصدرها، وأن ذلك هو السبيل الوحيد لضمان حماية حقوق وحريات المواطنين وأمنهم القضائي».
وأفاد ياسين مخلي أن وقفة الغضب التي تم تنظيمها يوم الجمعة تأتي بعد تسجيل الأجهزة الجهوية والوطنية لنادي قضاة المغرب العديد من الحالات التي تعرض فيها القضاة للتهديدات والتهجمات أثناء قيامهم بمهامهم أو بسببها، منها مدن القنيطرة، تازة، أكادير، سوق أربعاء الغرب، ولم يتم اتخاذ إجراءات حمائية لضمان سلامتهم، ومتابعة المتسببين في ذلك طبقا للنصوص القانونية الجاري بها العمل، مؤكدا عدم مواجهة الدولة لمثل هذه الأفعال التي أضحت ظاهرة بنيوية مستفحلة تتكرر على مستوى كافة محاكم المملكة باتت تمس بالهيبة والاحترام الواجبين للسلطة القضائية وأحكامها ويمس بالاستقلال الحقيقي للسلطة القضائية.
يشار إلى أن وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، خلال لقاء جمعه بممثلين عن المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب بداية الشهر الجاري، قد أكد بصفته رئيسا للنيابة العامة بمقتضى النصوص القانونية الجاري بها العمل، حرصه على ضمان الحماية المقررة في الفصل 20 من النظام الأساسي للقضاة ومتابعة جميع حالات الاعتداءات والتهجمات والتهديدات التي تعرض لها القضاة في العديد من محاكم المملكة، والتي استعرضها النادي في هذا اللقاء، مشددا بذلك على حزم الوزارة في مواجهة مثل هذه الممارسات.