زووم بريس-متابعة
احتضن المركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية يوم السبت 18 مايو 2013 فعاليات النسخة الثالثة من سلسلة ندوات أفاق الدولة المدنية في العالم العربي تحت عنوان: "الدولة المدنية وتحديات الاقتصاد السياسي في العالم العربي".
قارب الباحثون المتدخلون في الندوة والذين ينتمون إلى توجهات فكرية مختلفة وينحدرون من مدارس اقتصادية متباينة السياسيات الاقتصادية المعتمدة في البلدان العربية وتشخيص اختلالاتها.
جاءت أولى المداخلات للدكتور عمر الكتاني من منظور الاقتصاد والتمويل الإسلامي حيث انطلق من تشخيص للوضع الاجتماعي في العالم العربي، والمغرب اعتمادا على معطيات التقارير الأخيرة للبنك الدولي والتي استخلص منها أن أكبر عطب يعرفه النمو والتنمية في المجتمعات العربية، وضمنها المغرب هو بطالة الشباب غير الحامل للشهادات التأهيلية، وتساءل الباحث عن مصدر هذه البطالة الذي أرجعه إلى الهجرة من البوادي إلى المدن نتيجة تسريح هؤلاء أو مغادرتهم للعمل في القطاع الفلاحي (في سنة 2011 مثلا تم تسريح 80 ألف عامل)، وهؤلاء هم ما يشكل أحزمة وشبكات الفقر في المدن والضواحي وظواهر الفرَّاشة والمخدرات إلخ.
وفي المغرب يقول د. الكتاني أن قوة الإصلاح بالنسبة لحكومة العدالة والتنمية غير متوفرة. وفي هذا الإطار يقترح ذ. الكتاني كحلول الانطلاق والبدء بالإصلاح والتنمية ليس من المدن، ولكن من المراكز القروية والمدن الصغيرة، وذلك بخلق ما يعرف بقرى التنمية المستدامة، وذلك بتوفير الخدمات وإمكانية التشغيل في القرى والمدن الصغرى للحد من الهجرة واستيعاب الشباب سواء في قطع العمران والبناء أو بتطوير المؤهلات الطبيعية لهذه المناطق سياحيا واقتصاديا. وبخصوص مسألة التمويل وكإجابة عن السؤال من يمول؟ وهنا بيت القصيد يقترح ذ. الكتاني إحداث صناديق كصندوق الزكاة والأوقاف والتكافل الاجتماعي وغيرها، وهذه أشكال معروفة في التاريخ الإسلامي. أما المصدر الثاني فيأتي من التمويل المصغر الإسلامي.
وكانت للأستاذ عثمان كاير رأي آخر ومقاربة مختلفة لأسباب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية، وله أيضا منظور نقدي للتصور الاقتصادي الإسلامي التي لا يرى فيه الباحث في العمق سوى شكل من أشكال الليبرالية اعتبر أن المطلوب هو الابتعاد عن التصورات الدينية سواء في السياسة أو الاقتصاد، وهنا أكد على أن الهدف ينبغي أن يكون هو بناء الدولة المدينة وإقرار مؤسسات سياسية وقانونية بعيدة عن التأثيرات المذهية والدينية وهذا المطلب يرى الباحث د. عثمان كاير أنه على المستوى الواقعي لم يتحقق في البلدان العربية منذ الاستقلال. وهذا ما يحيل على تجليات أزمة الدولة الوطنية وأعطابها والتي حددها في عطب المشاركة، فالدول العربية إقصائية لا يساهم فيها المواطن بشكل فاعل، وعطب المشروعية الذي يؤدي إلى تغليب الهواجس الأمنية على حساب النجاعة الاقتصادية والتنموية ثم عطب التنمية وتراجع مؤشرات النمو مع وجود مشكل الحكامة، إضافة إلى تضخم البيروقراطية والفاسد وتضخم المديونية... كما يحلل الباحث في السياق نفسه وجود أزمة طبقة وسطى وعدم وجود طبقة برجوازية قوية ومستقلة لأنها نشأت في أحضان الدولة وامتيازاتها، لهذا يرى الباحث أنه لا يمكن أن ننتظر منها الكثير.
وفي مداخلته تطرق د. سعيد حنشان ضمن مقاربة مؤسساتية لتشخيص للمؤسسة التعليمية، والمنظومة التربوية بالمغرب باعتبار الدور الأساس الذي تقوم به هذه المؤسسة في عملية الإدماج في سوق الشغل. ونظرا كذلك لما للرأسمال البشرية من أهمية في تحقيق النمو والتنمية والسؤال الذي طرحه الباحث بخصوص هذه المؤسسة يمكن صياغته كالتالي: ما هي الموانع والقيود التي تعوق المؤسسة التعليمية في المغرب من أجل أن تقوم بدورها في تحقيق النمو والتنمية في إطار المساواة وعدم التفاوت؟ وبالتالي كيف يمكن للمغرب (وللبلدان العربية) خلق نمو اقتصادي يؤدي إلى تقليص التفاوتات الاجتماعية ؟ هنا وكجواب يقف الباحث عند مؤسسة التعليم في المغرب مشخصا اختلالاتها، وبعض أعطابها حيث سجل ضعف مستوى وجوده التعليم في المغرب وعدم قدرته على التقليص من التفاوت، وهذا من شأنه أن يكون مصدرا للإقصاء والتوترات الاجتماعية وإضعاف للطبقة الوسطى.
وفي هذا السياق يقول د. سعيد حنشان بأن المغرب تطور وحقق في السنوات الأخيرة نسب نمو مرضية بحيث أن مغرب سنة 2000 ليس هو مغرب 1980، ومغرب 1980 ليس هو مغرب 1970، لكن مع ذلك فهناك تفاوت ولا مساواة سواء على مستوى الدخول (المداخيل) أو على مستوى الثروات، ذلك كما يؤكد على ذلك الباحث "أن التنمية التي لا تتماشى مع المساواة يمكنها أن تكون مشكلا".
ويضيف حنشان مدير الهيأة الوطنية للتقويم في المجلس الأعلى للتعليم أنه ينبغي الانتقال من سياسة تعليمية ترتكز على الكم إلى النوعية، وكذلك ربط السياسة التعليمية بالسياسة الاقتصادية التي تسمح بتوفير مناصب الشغل. والذي سيقوم بهذا بالنسبة للباحث هو الدولة فالدولة هي المسؤولة والمؤهلة لذلك.
من جهته أكد د. نوح الهرموزي رئيس المركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية في مداخلته أن الرهان على الدولة كمنقذة هو من جملة المغالطات التي ينبغي الكشف عنها. وذلك لأن الدول فشلت فشلا ذريعا في إيجاد حلول لمشاكل التخلف في البلدان العربية وحتى بالنسبة للبلدان المتقدمة، وقدم عن ذلك عدة أمثلة وتجارب كأزمة الديون السيادية سنة 2012، حيث وصلت الدول إلى مستوى عدم قدرتها على سدادا الديون بما فيها أكبر دولة هي الولايات المتحدة الأمريكية ! وهناك أمثلة أخرى من فرنسا حيث الانكماش الاقتصادي الذي جعل فرنسا في وضعية فشل حسب تصريح لوزير العمل الفرنسي، والنموذج الايطالي كذلك وما يعرفه من فساد وارتشاء. والنتيجة بالنسبة للباحث هي أن القول: "بأن الدولة هي الأم الحنون" مغالطة وأسطورة. وأنه من المفارقات أن تعترف بفشل الدولة ونطالب في الوقت نفسه بالإصلاح عن طريق الدولة.
أما ما يسمى بالاقتصاد الإسلامي وهل يشكل هو الآخر حلا فإن د. الهرموزي يرى بأن هناك أولا إشكال بخصوص هذا المصطلح أو المفهوم وتساءل هل يتعلق الأمر باقتصاد إسلامي أم مالية إسلامية؟ وهنا أشار إلى أنه لا ينبغي إقحام الإسلام في هذا المجال، فالإسلام ليست له حلول لكل القضايا الاقتصادية، وأن اقتصاد الوقف أو الزكاة لا تمثل منظورا اقتصاديا وفي هذا السياق، أحال د.نوح على بعض الانتقادات الموجهة للاقتصاد والصيرفة الإسلامية.
وختاما فإن ندوة الدولة المدنية وتحديات الاقتصاد السياسي في العالم العربي فضاء للحوار والتناظر بين عدة مكونات ومدارس اقتصادية إسلامية وليبرالية واجتماعية ديمقراطية...إلخ، كما تم فيها توظيف عدة مقاربات، وكان "الهم" المشترك بين كافة المتدخلين إضافة إلى التشخيص لأعطاب الوضع الاقتصادي والاجتماعي ومكانة الدولة في البلدان العربية.