مرض فيروس إيبولا (المعروف قبلا باسم حمى إيبولا النزفية) من الأمراض الحديثة الأكثر فتكا بضحاياه حيث يموت في الغالب 90% من المصابين وشديد العدوى عبر الاتصال المباشر بسوائل أو متعلقات المصاب وتتركز معظم الإصابات عالميا في أربعة بلدان تقع في غرب افريقيا هي غينيا وليبيريا ونيجيريا وسيراليون وهذه البلدان تقع على مرمى حجر من موريتانيا حيث تفصلها فقط جارتيها السنغال ومالي عن هذه البلدان.
حدود موريتانيا مع مالي طويلة جدا، تقدر بــــــ2237 كيلومتر معظمها صحاري شاسعة، توجد ثلاث معابر حدودية رسمية بينهما وعشرات المعابر الأخري التي يفضلها المهربين ورجال القاعدة في بلاد المغرب العربي! لكن الحدود الأخطر هي التي يشكلها نهر السنغال بين كلا من موريتانيا والسنغال بطول قدره 813 كيلومتر عليها بضع معابر حدودية رسمية لكن في الواقع طول اية نقطة على النهر تعتبر فعليا معبرا حدوديا يصعب على موريتانيا مراقبته لاستحالة ذلك في واقع الأمر!
أشهر معبر على النهر بين البلدين (معبر روصو) يتدافع فيه آلاف المسافرين في كلا الاتجاهين من خلال عبارات مزدحمة تكتظ بالركاب من مختلف الاصناف من باعة متجولين وصغار التجار والعمال والفلاحين والطلبة والمرضي، في ظل هذا الاكتظاظ هناك شبه غياب لإجراءات رقابية صحية اضافة الى تدني الوعي الصحي عند المسافرين من كلا البلدين، مما يجعل تواجد حالة اصابة واحدة بين الركاب كفيلة بانتشار المرض سريعا على ضفتي النهر!
قبل أيام كنت هناك، وسافرت على متن عبارة بين روصو موريتانيا وروصو سينيغال، حيث يعبر الآلاف من المسافرين يوميا من وإلى موريتانيا والسينغال.
كانت الأمطار تهطل بغزارة، والمئات يتداعون لولوج العبرة، عشرات الشاحنات والسيارت تأخذ مكانها داخل العبارة.
كنت أتفرس في وجوه المسافرين وأرى الخوف في أعين بعضهم من هشاشة الاجرءات الأمنية .
لا يخفى على أي ملاحظ سهولة انتشار أي مرض معدي بسيط، في هذه الظروف، فكيف بوباء قاتل!.
كنت أحاول التغلب على الخوف الذي غزاني، بالتقاط صور، أشبع بها حسي الصحفي وأنقل بها بها خطورة الوضع.
من خلال سفري عبر هذا المعبر، وكما هو مبين في الصور، فإن هذا المعبر وغيره من المعابر الرسمية والأخرى السرية غير الشرعية تشكل خطرا جديا محدقا بموريتانيا نظرا لعاملين أساسين هما:
1. إفتقار المعبر في الاتجاهين للإجراءات الوقائية الطبية الصارمة التي تحول دون انتشار وانتقال المرض من ضفة الى اخري كأجهزة الكشف والمعاينة والرصد فضلا عن غياب التأهيل اللازم لسلطات المعبر للتعامل مع الحالات المصابة عند اكتشافها.
2. تدني الوعي الصحي لدي معظم المسافرين جراء الأمية والفقر وغياب التوعية الصحية بضرورة تجنب الاكتظاظ والتدافع٫ مع غياب شبه كلي للملصقات الدعاية والنشرات والبوسترات الارشادية للتعامل مع الحالات المصابة وسبل وطرق الوقاية لتجنب الاصابة.
قد يعزي هذا الى ضعف الامكانيات عند البلدين وتدني الوعي الصحي بين السكان إلا أن غياب الارادة السياسية لدي السلطات في الاتجاهين وعدم إدراك أسس التفكير الاستراتيجي هو المسئول أولا وأخيرا عن هذا العبث بارواح الناس وعدم إدراك أهمية الوقاية والإجراءات الطبية الصارمة للحد من انتشار وباء العصر "الإيبولا".
آسية عبد الرحمان
كاتبة و صحفية موريتانية