اعتبر محمد الدرويش رئيس مؤسسة "فكرللتنمية و الثقافة و العلوم"، خلال افتتاح ندوة "المجتمع الدولي: سؤال الإرهاب والديمقراطية"، ان الموضوع يطرح نفسه بقوة نظرا للتحديات التي تواجهها الدول والمجتمعات من أجل نبذ العنف والتعصب وترسيخ قيم الحوار والتعايش.
و اكد الدرويش ان إعادة طرحه اليوم في ضوء المستجدات الدولية والإقليمية هو من أجل تعميق المقاربة وإعادة النظر في العلاقات الكائنة والممكنة بين الإرهاب كفعل للهدم والديمقراطية بوصفها فعلا للبناء.
و اعتبر المتحدث أنه ينبغي الإقرار بأن ظاهرة الإرهاب لبست لبوسا متعددا ومختلفا امتدت في الزمان والمكان حتى مست الجوانب الفكرية في حياة الإنسان واحتد ذلك منذ تسعينيات القرن الماضي إذ انتقلت الظاهرة من المحلية إلى العالمية متغذية من أزمات كبرى عاشتها الأوطان: قضية فلسطين، أفغانستان، العراق، القرن الإفريقي، منطقة الساحل والصحراء، إعصار الربيع العربي...، الشيء الذي جعل الظاهرة الإرهابية تتخذ بعدا جديدا إذ أصبحت ظاهرة عابرة للقارات فصارت الحكومات والمؤسسات المدنية والأمنية والعسكرية ومنظمات المجتمع المدني تولي اهتماما خاصا بها محاولة الإجابة عن مجموعة من الإشكالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية.
وشدد الدرويش بأن المغرب لم يكن بعيدا عن هذه المعضلة العالمية إذ سبق له أن اكتوى، على غرار دول أخرى، بضربات إرهابية طائشة مازالت آثارها عالقة بالأذهان خاصة أحداث 16 ماي 2003 بالدار البيضاء وحدث أركانة يوم 28 أبريل 2011 بمراكش. هي ضربات إرهابية لا نقل إنها آلمت المجتمع المغربي فقط، بل قوت نسيجه وكانت حافزا مهما للتعبئة الجماعية والتلقائية ضد الإرهاب حيث أجمع كل الفاعلين السياسيين والأمنيين والإعلاميين ومكونات المجتمع المدني على الشجب والإدانة والتأهب لصد الخطر عن المجتمع بكل مكوناته.
كما ان ما شهده المغرب خصوصا وعرفه المشهد العربي الراهن على وجه العموم يقترن بتمثيلات سلبية عن الدين وهيمنة حركات ظلامية تعمل على تسويق التأويلات الدينية المغالطة التي تتمحور حول الجهاد والقتل والدمار. إنها تأويلات أو بالأحرى سوء فهم متعمد يتولد عن معتقدات منغلقة تتقوقع حول الذات ولا تقبل الإنصات إلى الآخر أو التعايش معه ومشاركته لحظات اليومي وتحديات الحياة. وعلى هذا الأساس المتخلف، ساد نوع من التوظيف المتعسف للنصوص الدينية لتأطير المواقف المتطرفة وتبرير التعصب للذات ضد الآخر مسلما كان أو غير مسلم. والمعضلة الكبرى أن الفكر المتطرف الذي يدعي صفة الإسلامية أو اليهودية أو المسيحية أو غيرها لا ينحصر مجال حضوره الشاذ وتأثيره الوخيم في العالم العربي الإسلامي مثلا، بل تمتد أياديه الآثمة لتهدد مجتمعات وكيانات دولية في مختلف بقاع العالم.
و اعتبر الباحث إن الفعل الإرهابي تكمن خطورته في ما يدعمه من أفكار سطحية ومقولات خاطئة وتصورات مارقة تشكل في مجملها الخلفية المحركة للجماعات الإرهابية للقيام بأعمالها الدنيئة في تدمير الحياة. فما ينبغي أن نوليه اهتماما بالغا هو البنيات الذهنية المختلة التي يتعين علينا جميعا كفاعلين حكوميين وسياسيين وأمنيين ومدنيين أن نتعبأ من أجل معالجتها وتصويب مضامينها وإصلاح أعطابها المختلفة. إنها بنيات منغلقة لا تستطيع، بفعل عقمها، إنتاج سلوكات متحضرة ومواطنة، بل إنها لا تفرز إلا التطرف والتعصب المؤدي إلى العنف في تجلياته المتنوعة: سياسية كانت أم اجتماعية أم ثقافية أم دينية. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن أخطر أنواع الإرهاب يتمثل في الإرهاب الفكري الذي لا يكتفي بالمجال الفردي الخاص، بل يتعداه إلى خلق جيل معطوب لا يقوى على المبادرة المتحررة والبناء الجماعي والإسهام في تطور ونماء المجتمع الديمقراطي المتطور.
وفي المقابل، يبدو ضروريا ترسيخ الفكر الديمقراطي باعتباره مسلكا مهما من مسالك التنمية المجتمعية القائمة على حرية الرأي والتعبير والمشاركة الجماعية في تدبير الشأن العام والتعايش بين كل الاتجاهات الفكرية الحية. فإذا كان الفكر الإرهابي رديفا للانغلاق والتعصب والهدم والموت، فإن الفكر الديمقراطي – على النقيض من ذلك تماما – يمثل فسحة الأمل أمام المجتمعات والشعوب لبناء مستقبل واعد أساسه حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والمساواة والكرامة والتنمية المستديمة. ونعتقد أن الفرق شاسع بين التعلق بالدمار وعشق الحياة، بين الصراع الواهم والعيش الآمن، بين عنف الإقصاء ورحمة التعايش، بين التكفير والتفكير؛ وإجمالا، الفرق واضح وجلي بين الذات المنغلقة المتقوقعة والذات التي لا يستقيم وجودها وتطورها إلا بالآخر وفي حياة أرحب تتسع للجميع عنوانها حب الحياة.
و يشارك في أشغال هذه الندوة الدولية أساتذة باحثون وفاعلون سياسيون وأمنيون واجتماعيون من دول متعددة: المغرب واسبانيا، فرنسا، الجزائر، تونس، ليبيا، وموريطانيا، بلجيكا، الكوت ديفوار، البنين، مالي، بوركينا فاسو، الكونغو، تشاد، اليابان، بريطانيا، لبنان، العراق، النيجر، جنوب افريقيا... و ذلك من الخميس والجمعة 14-15 مايو 2015 برحاب المكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط.
وتشمل الندوة المحاور التالية:
- في الإرهاب والعنف العابر للقارات.
- تطور آليات العنف وتقنياته في مجتمعات التواصل الاجتماعي.
- العنف في دوائر النوع الاجتماعي، تجلياته وتبعاته.
- العنف الهوياتي ضد الأقليات الثقافية واللغوية والإثنية ومجتمع المواطنة.
- الإرهاب ومقاومة الاحتلال وتناقض المصالح.
- البنيات التنظيمية والدعائية للحركات الجهادية.
- السياسات المضادة للإرهاب بين الدواعي الأمنية الوطنية والأفاق الاستراتيجية الشاملة.
- الديمقراطية وقيم الحوار والتعاون.