جاء خطاب الملك محمد السادس في الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء قويا و غير مسبوق، و هو يشكل خارطة طريق لتنزيل الجهوية المتقدمية. كما يمكن اعتبارالخطاب اعلانا عن ميلاد مرحلة جديدة تقطع مع الاساليب السابقة من خلال جعل حد لاقتصاد الريع و تفعيل النموذج التنموي للاقاليم الجنوبية.
وأكد الملك محمد السادس، في الخطاب الذي وجهه من مدينة العيون، بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، إن إحداث القطيعة ضروري بعد سنوات من التضحيات والجهود، مضيفا أن المنطقة وصلت مرحلة النضج لإطلاق مرحلة جديدة.
وقال الملك في هذا الصدد "واليوم، وبعد أربعين سنة، بإيجابياتها وسلبياتها، نريد إجراء قطيعة حقيقية مع الأساليب المعتمدة في التعامل مع شؤون الصحراء : قطيعة مع اقتصاد الريع والامتيازات، وضعف المبادرة الخاصة، وقطيعة مع عقلية التمركز الإداري".
كما شكل الخطاب رسالة واضحة للطرح الانفصالي و من يقف وراءه ، و أوضح الملك محمد السادس أن “الذين ينساقون وراء اطروحات الأعداء ليس لهم مكاننا بيننا، ومن تاب فإن الوطن غفور رحيم”.
وقال الملك محمد السادس في هذا الصدد " لا نرفع الشعارات الفارغة.. وعد المغرب بالديمقراطية وتدبير شؤونهم المحلية، وها هم اليوم يشاركون. اليوم أطلقنا الأوراش المهيكلة وفرص الشغل.. والصحراء المغربية أكثر المناطق أمنا في الصحراء والساحل.."
و يشكل الخطاب الملكي رسالة واضحة للمنتظم الدولي و لجماعات الضغط من منظمات حقوق الإنسان ذات الأجندة التقسيمية . و أعلن محمد السادس بحزم أن أقصى ما يمكن ان يقدمه المغرب هو الجهوية المتقدمة و واهم من يعتقد العكس.
وأكد الملك محمد السادس أن تخليد الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء ليس حدثا عاديا أو احتفالا عابرا، "بل نريده مرحلة فاصلة في تاريخ استكمال الوحدة الترابية للمملكة"، مضيفا جلالته أنه "بعد ملحمة تحرير الأرض، وتوطيد الأمن والاستقرار، عملت بلادنا على تمكين أبناء الصحراء من مقومات المواطنة الكاملة، وظروف العيش الحر الكريم".
التنمية كمفتاح للوحدة الترابية و تعزيز المكتسبات
وقال الملك محمد السادس في الخطاب الذي وجهه الجمعة إلى الأمة بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء ، “قررنا، بعون الله وتوفيقه، تعبئة كل الوسائل المتاحة لإنجاز عدد من الأوراش الكبرى، والمشاريع الاجتماعية والصحية والتعليمية بجهات العيون الساقية الحمراء، والداخلة وادي الذهب، وكلميم – واد نون”.
وأوضح الملك أنه في مجال البنيات التحتية، ستتم تقوية الشبكة الطرقية بالمنطقة بإنجاز طريق مزدوج، بالمواصفات الدولية، بين تيزنيت – العيون والداخلة، موازاة مع دعوة الحكومة للتفكير في إقامة محور للنقل الجوي، بالأقاليم الجنوبية، نحو إفريقيا.
وأضاف محمد السادس أن ” لدينا حلما ببناء خط للسكة الحديدية، من طنجة إلى لكويرة، لربط المغرب بإفريقيا” معربا عن الأمل في أن “يعيننا الله تعالى على توفير الموارد المالية، التي تنقصنا اليوم، لاستكمال الخط بين مراكش ولكويرة”.
ومن ضمن المشاريع الكبرى التي أعلن عنها جلالة الملك ، بناء الميناء الأطلسي الكبير للداخلة، وإنجاز مشاريع كبرى للطاقة الشمسية والريحية بالجنوب، وربط مدينة الداخلة بالشبكة الكهربائية الوطنية، فضلا عن ربط هذه الشبكات، والبنيات التحتية، بالدول الافريقية، بما يساهم في النهوض بتنميتها.
وقال عاهل البلاد أنه “إيمانا منا بأن البنيات التحتية، لا تكفي وحدها، لتحسين ظروف عيش المواطنين، فإننا حريصون على مواصلة النهوض بالمجال الاقتصادي، ودعمه بمشاريع التنمية البشرية”.
وفي هذا الصدد ، أكد ملك المغرب على مواصلة استثمار عائدات الثروات الطبيعية، لفائدة سكان المنطقة، في إطار التشاور والتنسيق معهم، مشيرا إلى أنه تقرر ، لهذه الغاية، إنجاز مجموعة من المشاريع، التي ستمكن من تثمين واستغلال الموارد والمنتوجات المحلية، كالمشروع الكبير لتحلية ماء البحر بالداخلة، وإقامة وحدات ومناطق صناعية بالعيون والمرسى وبوجدور.
كما أكد حرصه على تعزيز هذه المبادرات، بوضع إطار قانوني محفز للاستثمار، يوفر للقطاع الخاص، الوطني والأجنبي، وضوح الرؤية، وشروط التنافسية، للمساهمة في تنمية المنطقة.
وأضاف أنه سيتم أيضا إحداث صندوق للتنمية الاقتصادية، مهمته تطوير النسيج الاقتصادي، ودعم المقاولات والاقتصاد الاجتماعي، وتوفير الدخل القار وفرص الشغل وخاصة لفائدة الشباب.
وخلص الملك محمد السادس إلى أن تطبيق النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، “يجسد وفاءنا بالتزاماتنا تجاه المواطنين بأقاليمنا الجنوبية، بجعلها نموذجا للتنمية المندمجة، ودعامة لترسيخ إدماجها، بصفة نهائية في الوطن الموحد، وتعزيز إشعاع الصحراء كمركز اقتصادي، وصلة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي”.