احتضن مقر وكالة "المغرب العربي للأنباء"، مناسبة إحياء الذكرى العشرين لرحيل الصحافي محمد باهي، بحضور عبد الرحمان اليوسفي و بنسعيد ايت يدر. وتم بمناسبة هذا اللقاء المنظم بشراكة مع "حلقة أصدقاء باهي محمد"، الإعلان عن الإصدار الرسمي للأعمال الكاملة لمحد باهي، المعروفة تحت إسم "رسالة باريس"، وهي مراسلة كانت تصدر كل ثلاثاء بجريدة "الاتحاد الاشتراكي" ما بين سنتي 1986 و 1996.
وقال مبارك بودرقة، أحد رفاق الباهب ، إن الكاتب عبد الرحمان منيف وهو في فراش الموت كان لا يزال يدعو رفاق باهي إلى جمع أعماله، باعتبارها تراثا فكريا للعرب وغيرهم، مضيفاً أن هذا الرجل كان كريما في عطائه الفكري، لكن بخيلا على نفسه ورفاهيته، بحيث كان يصرف كل راتبه على شراء الكتب وكانت وجباته الغذائية تتنوع ما بين "الخبز والزيتون والخبز والسمك المعلب".
من جهته اعتبر عبد الرحمان اليوسفي، الوزير الأول الأسبق، إن الصحافي والكاتب والمناضل الراحل باهي محمد كان في مقدمة مؤسسي الممارسة الصحافية المعاصرة في المغرب، وظلت كتاباته في الصحف الوطنية من أكثر وأعمق الكتابات في المتن الصحفي المغربي. وتم على هامش هذا المحفل الثقافي، تقديم الإصدار الرسمي للأعمال الكاملة للراحل باهي محمد، المعروفة تحت اسم (رسالة باريس)، وهي مراسلة كانت تصدر كل يوم ثلاثاء بجريدة (الاتحاد الاشتراكي) ما بين 1986 و1996.
من شنقيط الى الرباط : «يموت الحالم ولا يموت الحلم»
ولد باهي سنة 1935 بمنطقة « تُنْبِيعْلي « بالجنوب من بلاد شنقيط بموريطانيا ، ومنطقة تُنبِيعلي هي مركز قبيلة «إِدُوعلي».وهذه الكلمة تتكون من شِقَّيْن: الشق الأول هو «إدو» أو «إد» وهي كلمة أمازيغية تعني أَهْل أو بَنُو. أما الشق الثاني، فهو اسم «علي» نسبة إلى جد باهي الأكبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ولهذا السبب، يطلق عليهم الأشراف العلويون.
و تشتهر هذه القبيلة الموريطانية الشنقيطية «إدوعلي» بكثرة علمائها وأدبائها وشعرائها، ممن لعبوا أدوارا أساسية في نشر المعارف والعلوم أينما حلوا وارتحلوا، حيث وصل إلينا العديد من مؤلفاتهم في الفقه المالكي والتصوف وعلوم اللغة، بالإضافة إلى الأدب والشعر. وعلاقتهم بالمغرب في كل العصور مشهورة: سيدي محمد ولد رازكة العلوي مع المولى إسماعيل، سيدي عبد الله ولد الحاج إبراهيم مع سيدي محمد بن عبد الله، ولد محمدي مع المولى عبد الرحمن...الخ
وَالِدُ المرحوم محمـد باهي هو محمـد حرمة بن محمـد أنينه، وهو شقيق السيدة مريم بنت أنينة، والدة الزعيم الصحراوي حرمة ولد بَابَانا. ولقد كان والد باهي فقيها تقياً ورعاً حافظا لكتاب اللـه، وتزوج من ابنة عمه الشابة زينب بنت محمـد ولد عثمان لَكْنِيز التي كانت بدورها حافظة لكتاب اللـه. وكانت ثمرة هذا الزواج أن أنجبا المرحوم محمـد باهي بمسقط رأسه بقرية «تنبيعلي»،وهي التي ولد ودفن بها أيضا ابن عمته وخاله المرحوم الزعيم حرمة ولد بابانا.
لم ينتسب للمدارس النظامية للمستعمر ممانعة ولانشغاله بالتعليم «المحظري»، لكنه تعلم اللغة الفرنسية وحده فأصبح يتقنها. وبعد أن اشتد عوده، وقررت السلطات الاستعمارية الفرنسية، في وسط الأربعينيات (1946) من القرن الماضي، تخصيص مقاعد لممثلي الساكنة داخل الجمعية العامة (البرلمان الفرنسي)، تحت ضغط حركات التحرر التي شهدتها المنطقة شمال أفريقيا وباقي كل أنحاء العالم الثالث، وبما أن ابن العمة والخال في نفس الوقت المرحوم حرمة ولد بابا، كان يواجه السلطات الاستعمارية آنذاك، قرر بعد أن ترشح وفاز بمنصب نائب بالبرلمان الفرنسي إنشاء حزب «الوفاق الموريتاني»، وهنا خطا المرحوم باهي أولى خطواته في الميدان السياسي، حيث كان يرافق زعيم حزب «الوفاق الموريتاني» في الحملات والتجمعات التي يعقدها في المنطقة، كما رافقه إلى دكار عدة مرات. ومن هنا برزت النظرة نحو الأفق والإيمان بالوحدة ونفر التجزئة التي تؤدي إلى التشرد وتفتيت القوى، وبالتالي إلى الضعف والهزال.
وعندما شعر بمضايقات السلطات الاستعمارية، قرر خوض مغامرة خطيرةّ : رصد و تسلل خلسة بمرسى نواذيبو إلى باخرة صيد إسبانية متجهة إلى «الطرفاية». وبعد الإقلاع، اكتشف طاقم الباخرة وجود شخص غريب ، وقرروا رميه في البحر. وفتح معهم مفاوضات وعرض عليهم أن يقوم بأعمال الخدمة طوال الرحلة مقابل العدول على رميه في البحر ، فتكفل بتنظيف المطبخ و غسل الأواني و صيانة المراحيض.
نزل ب»الطرفاية»، وواصل مسيرته باتجاه مدينة «كلميم» ، وهكذا لبى باهي نداء جيش التحرير والتحق بالشمال، وهو يحمل اسمه الأصلي أباه مـحمد حرمة النينه، الذي ظل محتفظا به إلى أن أجرى مباراة بشأن الاشتغال بجريدة «العلم» بمدينة الرباط، كما سيرد فيما بعد، وهنا حصل خطأ كاتبة تشتغل بإدارة العلم والتي تَوَلّت رقن أسماء الناجحين في المباراة على الآلة الكاتبة، حيث أخطأت في كتابة اسم مُتَصَدِّر لائحة الناجحين، وعوض أن تكتب أباه مـحمد حرمة، كتبت باهي مـحمد حرمة. ومن ذلك الوقت، قرر فقيدنا الاحتفاظ بهذا الاسم، الذي ظل باهيا، أصبح يعرفه الأفراد و العموم.
بعد أن خاض باهي محمـد تجربة جيش التحرير بالجنوب المغربي، انتقل إلى الرباط، بعد أن ركن بندقية جيش التحرير، جرد قلمه ليتقدم إلى أول وآخر امتحان يشارك فيه باهي طيلة حياته، وذلك بمناسبة المباراة التي نظمتها جريدة «العلم» بالرباط، في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، لاختيار مجموعة من المحررين الشباب. وكان ضمن المشاركين في هذه المباراة، المرحومان عابد الجابري وعبد الجبار السحيمي. وطبعا تصدر باهي قائمة الناجحين.