تحليل إخباري
محمد الحمراوي-زووم بريس
شكل نهاية نظام القذافي و فرار زين العابدين بنعلي و تنحي مبارك فرصة لتنامي الإسلام السياسي و معه بعض التيارات الدينية المتطرفة و الجهادية. و قد شكل فراغ السلطة و اختلال الموازين الإقليمية فرصة لكي ينفلت المارد السلفي من عقاله في العديد من بلدان الربيع العربي و ينفرد بالمجتمع بدون حسيب و لا رقيب ، لكي يطلق العنان لشتى أنواع الفتاوى و التسلط باسم الدين في ملايين البشر في شمال إفريقيا و الساحل.
إن ما يقع اليوم في شمال مالي و وصول التهديدات إلى جنوب الجزائر، تطرح بالملموس السؤال حول سبب تنامي المجموعات الجهادية في المنطقة وعن من يقف ورائها فكرا و تسليحا و دعما إعلاميا و سياسيا.
إن أقل نعت يمكن أن نطلقه على المجموعات الجهادية بالساحل و الصحراء هو العصابات المنظمة و قطاع الطرق الذين لا يمتون للدين و لا للشريعة بأي صلة. فهم خليط من البشر يجمعهم خيط رفيع هو الفكر لظلامي المتشدد و القتل و الترهيب. و ما يزيد من تركيز المغالطات هو نعت الحركات المسلحة كأنصار الدين و أنصار الشريعة و الدعوة السلفية ... بالحركات الجهادية. و الحقيقة أن لا شيء يربطهم بالجهاد كمفهوم ديني و ما يربط بينهم هو السلب والنهب و قطع الطريق.
لذلك فإن القضاء على الإرهاب العابر للدول في الساحل و الذي أصبح يهدد الأمن و السلم في كل أرجاء العالم، هو التحلي بالحزم و الصرامة مع التصنيفات المتساهلة مع الفكر السلفي المتشدد و الذي يستغل كل أنواع وسائل الاتصال ليبث خطابات العنف الديني و الكراهية و الغلو في أبعد أشكاله التي لا يمكن أن يقبلها العقل.
و الخلاصة أن الربيع العربي كان في البادئ حركة مدنية للحريات في دول النموذج الكلياني في المشرق، لكن سرعان ما اخترقته تيارات الإسلام السياسي التي تغلغلت في المجتمعات العربية لسنوات عبر جميع وسائل الشحن و التعبئة مستغلة الانعطاف السلفي و المد المحافظ للمجتمعات العربية لكي تحكم قبضتها على السلطة و تعيد انتاج النموذج الاحادي لكن هذه المرة باسم الدين و الشريعة. و بدعم كذلك من مؤسسات رسمية و رؤوس أموال بهدف استنساخ التجربة المنغلقة و الماضوية.
إن الخاسر الأكبر في دول الربيع العربي هو المجتمع ، لأن حلم التعددية و التنمية قد أجهض لصالح التيارات المحافظة و ذات التوجه الديني المتطرف، و هو ما يجعل المنطقة مفتوحة على كل الاحتمالات إذا لم يم تجفيف منابع التطرف من جذوره ضمانا للأمن و الحق في التنمية المستدامة و التسامح بين الشعوب، عوض خطابات القتل و الكراهية التي تبتها هذه التيارات الدينية.