تحليل اخباري / أحمد بنصالح
عندما يقول سفير إسبانيا المُعتمد في المغرب، البرتو نافارو، في مقابلة مع احدى المواقع الرقمية الناطقة بالإسبانية و الصادرة من الرباط"يجب على إسبانيا أن تفهم أن الوضع في الصحراء الغربية لم يعد كما كان عليه الأمر سنة 1975" و يستطرد "لقد شهد الاقليم العديد من التغيرات الاقتصادية والاجتماعية و أنَّ المغرب قد استثمر بكثافة في الصحراء وأنَّ الساكنة قد تغيًرت" ماذا يعني الديبلوماسي الإسباني؟
ربَّما نستكشف موقف الحكومة الاسباني المعروف في أدبيات الحزب الشعبي بتوصيف "الحياد الإيجابي". فإذا كان الأمر كذالك فإن القراءة الأكثر قربا إلى الواقعية فهي أن إسبانيا، القوة الاستعمارية السابقة للإقليم، بصدد إعادة النظر في ترتيب أولوياتها الاستراتيجية و أنها باتت تنظر إلى النزاع وفقا لمصالحها الخاصة. بعبارة أدق إمًّا أن تصطف بجانب المصالح الظرفية -النفط والغاز الجزائري- أو الاصطفاف بجانب المصالح الدائمة - الأمن والاستقرار - المرتبطين بما يقع في منطقة الساحل و الصحراء التي أضحت تُشكل تهديدا لدول أروبا الجنوبية و بالتالي فإن تقوية المغرب عوض اضعافه هي الضمانة لكسب الغاية.
اللافت في ثنايا إجابة السفير هو لفظة "التغير" الديموغرافي في الصحراء. هذا الاعتراف من طرف السفير هو جواب على الأصوات التي ما تزال تنادي بإجراء استفتاء تقرير المصير بناء على احصاء قام به الجيش الاسباني عام 1974. وعلاوة على ذلك، فإن ردً السفير، بصيغة الأمر، هو جرأة من قبل ممثل اسبانيا في المغرب، وكأنه يريد أن يقول، بالترميز أو بالتلميح، بأنه حان الوقت بالنسبة لإسبانيا أن تأخذ في الحسبان اعتبارات معينة عند اتخادها لموقف ما في الصراع.سواء كان الجواب توسُّلا، نصيحة أو حتُّى طلبا، فإن التفسير الذي يحتمله هو الحاجة إلى مزيد من الانخراط الإسباني في ايجاد حل للنزاع. انخراط يمكن اسبانية من إصابة عصفورين بحجر واحد. في المقام الأول (ذاتي) هناك استعادة ريادة اسبانيا المفقودة والمتمثلة في ديبلوماسيتها النشيطة في المحافل الدولية و في المقام الثاني (موضوعي) الامتثال لمسؤوليتها التاريخية، باعتبارها القوة الاستعمارية السابقة، لحل النزاع و إن كانت إسبانيا قد أبرمت عام 1975 مع المغرب وموريتانيا اتفاقية مدريد الثلاثية التي أنهت الاستعمار الاسباني في الصحراء.
أمُّا بلغة الواقعية الجيوسياسية، فجواب السفير الاسباني يعني ان اسبانيا أضحت تدرك تمام الادراك أكثر من أي وقت مضى أن خسارة المغرب للصحراء يعني بالنسبة لإسبانيا، فقدانها لتربة خصبة لمستقبلها الاقتصادي و التجاري نظرا لأن الصحراء هي بوابة اسبانيا إلى افريقيا التي باتت تعتبر في نظر العديد من الاستراتيجيين الاقتصاديين الغربيين سوقا مستهلكة ومستوردة بامتياز و مصدرا مستقبليا للتزود بالمواد الأولية و وجهة واعدة للتصدير.هذه الواقعيةستمكن اسبانيا لا محالة من بديل مُستقبلي على مرمى من حجر لأزمتها التي تعصف باقتصادها الذي قاب قوسين من الإفلاس وبالتالي يُستشف من ثنايا إجابة السفير أن إسبانيا تنظر إلى المغرب، عكس السياسات الانتهازية السابقة، كجزء من الحل وليس كجزء من المشكلة. إذن فعلى ما يبدو، فإن السفير على قناعة بأن المغرب و اسبانيا أصبحا ناضجين بما فيه الكفاية و مؤهلين أكثر من أي وقت مضى للمضي قُدما بشراكتهما النموذجية إلى أبعد مدى مُمكن.
من خلال ذات الاجابة يُفهم أن اسبانيا مُهتمة لإقامة علاقات ثنائية مع المغرب مُحصَّنة ضد التهديدات المحتملة لتمتين شراكتها بالمغرب و إقامة مُستقبل مُشترك، لأنها مُقتنعة اليوم أكثر من أي وقت مضى بأنها في المغرب لم تُحقق بعد سوى حد أدنى من الفرص التي يقدمها المغرب و عليه فإن السفير الاسباني أعطى أدلة على أنه فعلا يسهر على الدفاع عن مصالح إسبانيا، لأن الواقعية السياسية، في الممارسة، تقتضي الاستفادة من الحاضر وتمهيد الطريق للمستقبل المُزدهر الذي يتأتى بالعمل جنبا إلى جنب باعتباره السبيل الأمثل لتعزيز الشراكة الثنائية. لذا فيبدو من خلال العديد من المؤشرات أن إسبانيا بدأت تفهم أن المغرب، جوارها الطبيعي، هو بمثابة امتدادها الأمني المنيع و بالتالي فإن تطبيعا دائما مع المغرب يمر بالضرورة بحل النزاع لأن اسبانيا اضحت مُقتنعة بأن المغرب و إسبانيا يتقاسمان مخاوف و تحديات مُماثلة يمكن مواجهتها بالتعاون و التنسيق الثنائي حتى تعُمَّ المنفعة و المصالح المشتركة و الآفاق الواعدة للطرفين معا و بالتالي الانتقال على المدى المنظور من شراكة نموذجية إلى تحالف استراتيجي.
عموما، لقد أضحى حل نزاع الصحراء حاجة ماسة و جد ملحة، لأن بقاءه لا يؤثر فقط على مصالح وأمن إسبانيا والمغرب الكبير و إنها على الأمن والاستقرار في حوض البحر الأبيض المتوسط الذي كان مهدا للسلام منذ فجر التاريخ. لذلك، فإن بإمكان اسبانيا، اليوم، الضغط بدافع مسؤوليتها التاريخية ومصالحها في المنطقة، لإنهاء النزاع الذي يستمر إلى اليوم. فمهما كان الأمرفإنها تتوفر على أرضية خطة الحكم الذاتي التي يقترحا المغرب باعتبارها قابلة للتحيين وفق اخر ما استجدت إليه اليات تقرير المصير في العالم، الذي يُعتبر الحكم الذاتي واحدا منها، نظرا لأن مجلس الأمن سبق و أن اعتبر الخطة "جدية"، "ذات مصداقية" و "واقعية".الكرة الآن في ملعب الحكومة الإسبانية، الشعبية و المحافظة، لتفعيل موقفها الداعي إلى ما يُصطلح عليه في أدبياتها "الحياد الإيجابي" وبطبيعة الحال إثبات على أنها في الواقع تؤيد الاسراع بحل النزاع و إلاًّ ستبقى المبادرات الإسبانية، الخجولة حتى حدود الساعة، مجرد إعلانات نوايا ليس أكثر. ففي الواقع لقد حان الوقت الآن لتتخذ إسبانيا موقفا حازما و جازما بوده وضع حد للنزاع لأن سياسة إرضاء المغرب و الجزائر، لم تعد مُجدية، خصوصا مع التطورات الأخيرة و المتسارعة التي تعرفها منطقة الساحل و والصحراء. الحل الأوحد هو إمَّا دعم خطة الحكم الذاتي التي تحفظ ماء وجه الجميع، بما في ذلك اسبانيا أو ضياع فرصة ذهبية في الوقت الضائع.
في الواقع، عاجلا أم آجلا، سيرى النزاع حلاُّ، وإذا لم تلعب إسبانيا الدور المتوافق مع وزنها الاقليمي فإنها ستكون، لا محالة، شاءت أم أبت، الخاسر الأكبر. لذلك، يجب على إسبانيا أن تكون في مستوى الحدث و تطلعات المجتمع الدولي كدولة امتثلت لمسؤوليتها التاريخية و لعبت دورا رئيسا في الوساطة في أكثر النزاعات تعقيدا والمساهمة في مصالحة الأشقاء والتطبيع مع السلام. السبيل الأفضل لذلك حتى تتجنب اسبانيا الإحراج هو المُرافعة باسم الانسانية، أي لا لفائدة المغرب و لا لفائدة الجزائر و إنما لفائدة الصحراويين الذين يعيشون في مخيمات الجنوب الغربي الجزائري في ظروف مأساوية و غير انسانية البتة.هذا التصريح من طرف السفير الاسباني يبقى و إن جاء بصيغة الأمر تصريحا و ليس موقفا كما هو مُتعارف عليه في الأعراف الدبلوماسية لأن الموقف يعبر عن رأي الحكومة بينما التصريح يُعبر عن الفرد. يتعلق الأمرإذن بتصريح مدروس في اطار توزيع أدوار مدروس بعناية جاء على لسان دبلوماسي مُحنك لتحقيق أهداف و مصالح اسبانية بعينها و لا يرقى إلى موقف تتبناه الحكومة الاسبانية. لكن يبقى السؤال المطروح هو:هل يُمكن هذاالتصريحللسفير الاسباني في الرباط أن يُؤشر في المُستقبل القريب أو المتوسط على بداية تحول في الموقف الاسباني الذي كان متقلبا وفق الحكومات المتعاقبة؟
أحمد بنصالح: مُهتم بالعلاقات المغربية الاسبانية