قضية الصحراء : ماذا بعد النجاح الديبلوماسي المغربي الأخير ؟
المصطفى معتصم
الحرب سجال وجولات ، قد تكسب كل معاركها وتخسر المعركة الحاسمة والعكس صحيح أي إنك قد تخسر كل معاركها وتربح المعركة الحاسمة . لكن يجب التنويه بأن بعض المعارك التي قد تكسبها تكون خسائرها جسيمة جدا ومؤلمة وجراحها غائرة .
صحيح أن المغرب قد ربح الجولة الأخيرة من معاركه المستمرة مع جبهة البوليساريو بعدما تراجعت الولايات المتحدة الأمريكية عن تقديم مشروع قرار يقضي بتوسيع مهمة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، ولكن من المؤكد أن خسائره كانت كبيرة وتعويضها وتجاوز آثارها يتطلب الكثير من الجهد والسرعة في التحرك و النضج في المواقف والابتعاد عن الانفعال والمبادرة إلى ممارسة الضغط الديبلوماسي المستمر والابتعاد عن تضييع الوقت الذي لا نملكه أصلا كي نتمكن من ترميم الآثار السلبية المترتبة عن مجرد تفكير الولايات المتحدة في طرح هذه القضية في أروقة الأمم المتحدة .
1. سقوط الوهمان الكبيران
ربما الإيجابي في أي أزمة أنها تمكن النبيه الكيس الفطن من استخلاص العبر والدروس وتنور له الطريق كي يستطيع تقدير الموقف تقديرا سليما مستقبلا. وفي تقديري فإن الأزمة الأخيرة التي مر منها المغرب قد أسقطت على الأقل وهمان كبيران انبنى عليها الموقف المغربي لعقود في قضية الصحراء.
- الوهم الأول : أمريكا حليف استراتيجي للمغرب !
مقولة ما فتئ ساساتنا وأصحاب القرار ببلادنا يرددونها لوحدهم فقط ردحا من الزمن وانتهى بهم كثرة استعمال هذه المقولة إلى تصديقها والاقتناع حقا أن المغرب حليف استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية وما يعني ذلك بالنسبة إليهم من دعم لا مشروط للحليف مهما كان موقفه وموطئ قدمه تماما كما يحدث بين إسرائيل وأمريكا حيث لا تترد هذه الأخيرة في دعمها في كل المجالات وعلى كل الصعد وخصوصا في أروقة الأمم المتحدة .
لقد اكتشفنا بشكل فج أننا لن نعدو كوننا دولة صديقة لأمريكا كما هي الجزائر صديقة لأمريكا أو ربما أقل نظرا لطبيعة العلاقات الإقتصادية بين أمريكا والجزائر ، وعليه يجب أن نبني علاقتنا مع هذا البلد على هذا الأساس وبالنتيجة على أساس العقيدة البراغماتية التي تتحكم في السياسة الأمريكية : " ليس هناك أصدقاء دائمون وأعداء دائمون ، بل مصالح دائمة " . بمعنى أن صداقة أمريكا تدور حيث تدور مصالحها كدولة و كشركات . ومن هنا لا يمكن التعويل على دعم لامشروط من طرفها للمغرب أوالتعويل على بقائها في موقع المدافع الدائم عن مواقفنا في الصحراء إذا كان هناك تعارض بين مصالحها والآثار المترتبة عن هذا الدعم .
نعم ، سقط الوهم وتبين إن هذه الدولة لن تكون إلى جانبنا إلا بالقدر الذي تطمئن فيه إلى مصالحها كدولة و كشركات . في هذا الصدد يجب التنويه أن الدولة الأمريكية لا تخفي انزعاجها من الحظوة التي تتمتع بها فرنسا وشركاتها ببلادنا . وفي تقديري فإن المفاجأة والصدمة التي أصابت بعض الفاعلين السياسيين ببلادنا من الموقف الأمريكي يعود بالأساس إلى سوء تقدير لمدى براغماتية وحتى ميكيافيلية الساسة الأمريكان ، كما يعود بالضرورة إلى ضعف التحليل للموقف الأمريكي خصوصا مع ظهور الربيع العربي و تبنيها لنظرية الفوضى الخلاقة في أفق إعادة ترتيب منطقة شمال إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط (MENA).
لست من الذين يقولون أن أمريكا عدو للمغرب ، فهذا كلام غير معقول ولا مقبول ، لكن أمريكا لها مصالح وترتيب علينا أن نعي بهما ، كما يجب أن لا ننسى أن ليس كل ما يصدر عن أمريكا خاضع لمنطق المصالح فقط ، بل هناك بعض الساسة وفعاليات المجتمع المدني الأمريكي الذين ما زالوا يصدرون مواقفهم من القيم و المبادئ المؤسسة للثورة الأمريكية كالحرية والعدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان ، وهؤلاء لن يترددوا في الضغط على حكومتهم كي تتبنى موقفا داعما للقضايا الإنسانية التي يعتقدون بعدالتها . وهذا ما يجب أن يدفعنا إلى التساؤل عن أسباب ضعف التأييد الدولي لقضيتنا الوطنية عموما .
في تقديري لا يعود هذا الضعف طبعا إلى ضعف عدالة قضيتنا ، بل للأداء المتواضع لديبلوماسيتنا سواء الرسمية أو الموازية التي تقوم بها الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني . وهو الأداء المتسم بالارتجال والتسرع والانفعالية وللتسويق السيئ لقضية الصحراء وللتطورات التي عرفها المغرب أخيرا في المجال الحقوقي و السياسي .
هناك قاعدة ذهبية تقول : إن وضوح الفكرة عند صاحبها لا يعني بالضرورة وضوحها عند الآخرين. نعم قضيتنا عادلة لكن سوء التسويق لها أو ضعفه أو عدم القدرة والكفاءة في تصريف الموقف السليم والتحرك المناسب وفي الوقت المناسب ، يدفع عدد من الحكومات أو منظمات من المجتمع المدني في بلدان أخرى إلى تبني وجهة نظر الآخر / العدو الذي قد يعوض ضعف حجته بقوة تحركه وأداءئه وتوظيفه لعلاقاته وعلاقات أصدقائه وحلفائه . نعم قضيتنا عادلة لكننا جعلناها غير ذلك عند بعضهم بأخطائنا المتواترة القاتلة و ضعف فاعليتنا مما سهل البروباغاندا المعادية حتى أصبحت قضيتنا التي هي بالأساس قضية استكمال التحرير وتصفية استعمار ، قضية احتلال ومصادرة حقوق الإنسان .
عادة ما تحسم المعارك في التفاصيل ، ويكفي سوء تصرف أو تسرع في اتخاذ موقف أو انفعال لحظة أو اغفال تفصيل من تفاصيل القضية حتى يتلبس الحق بالباطل ويصبح الخاطئ محقا والمحق خاطئا ، خصوصا في زمن حضارة الصوت والصورة .
أليست الأخطاء هي من صنعت أسطورة آميناتو حيضر وقضية مجموعة التامك واكديم إيزيك ، الخ، ألم تخدم الفديوهات التي جابت العالم ، شرقا وغربا ، شمالا وجنوبا ، في اليوتوب والتويتر أطروحة البوليساريو حول انتهاك حقوق الإنسان في الصحراء حينما تم تصوير منع الشرطة المغربية لتظاهرة نسائية مؤيدة للبوليساريو لا يتعدى عدد المشاركات فيها أصابع اليد وكان هدف هذه التظاهرة استفزازيا بالأساس في يوم شهد زيارة المبعوث الأممي روس للصحراء؟ .
كيف ننسى في زمن حضارة الصوت والصورة ، زمن الهواتف الذكية واليوتوب والتويتر والتليفونات الفضائية أن ما قد يصور في شوارع العيون أو السمارة أو بوجدور من أحداث يمكن أن يدور حول العالم ويشاهدها مئات الملايين قبل أن تصل إلى المسؤولين في بلادنا في كثير من الأحيان ؟ .
-الوهم الثاني : فيتو فرنسا المسلول!
كسيف الله المسلول كان الساسة المغاربة يتوقعون دائما أن تلجأ فرنسا إلى استعمال الفيتو ( حق النقض)كلما تبدى في الأفق ما يهدد موقفنا في الصحراء داخل المنتظم الدولي . ولقد كان المغرب مطمئنا بشكل كبير للموقف الفرنسي الداعم خصوصا بعد زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لبلادنا وارساله رسائل إيجابية في ما يتعلق بالمقترح المغربي بمنح الصحراء المتنازع حولها حكما ذاتيا ، ليتبين أياما بعد هذه الزيارة مدى الوهم الكبير الذي كنا نتشبث به في هذا الصدد. ففرنسا كقوة كبرى غير قادرة على المضي بعيدا في تأييدها للموقف المغربي لاعتبارات ثقافية وسياسية واقتصادية تتحكم في العلاقات الفرنسية الجزائرية بنفس القدر الذي تتحكم فيه في العلاقات المغربية الفرنسية خصوصا في ظل حكم الحزب الإشتراكي الحاكم اليوم. ثم إن فرنسا الإشتراكية لن تستعمل حق النقض ضد أمريكا خصوصا في قضية تحمل عنوانا حقوقيا.