تحليل إخباري
هل اقتربت نهاية شباط على رأس حزب الاستقلال؟
سمير بنيس*
يبدو أن السيد حميد شباط، الأمين العام لحزب الإستقلال، وعمدة مدينة فاس، لا يمر من أبهى أيامه وأن رياح التغيير في المشهد السياسي التي كان يطمح إليها لن تأتي بما كان يشتهيه. فبعد الزوبعة الكبيرة التي أثارها بتصريحاته الصاخبة، والتي أتى فيها على الأخضر واليابس، من خلال توجيه انتقادات لاذعة لمكونات الإئتلاف الحكومي الذي ينتمي إليه حزبه، وقرار الانسحاب من الحكومة، يبدو أن السحر انقلب على الساحر. فبينما كان ينتظر أن يُضعف قرار الانسحاب الائتلاف الحكومي وإجبار رئيس الحكومة على إجراء تعديلات تتماشى مع متطلبات حزب الاستقلال أو التمهيد لإجراء انتخابات مبكرة، يبدو أن شباط لم يحسب تحركاته وخرجاته الإعلامية الصاخبة بالشكل المطلوب من رئيس حزب من قيمة حزب الاستقلال.
فبعدما كان ينتظر أن يستقبله الملك من أجل التباحث حول سبل الخروج من الأزمة، اتصل به هذا الأخير، وقال له أنه يجب الإبقاء على وزراء حزب الاستقلال حتى رجوعه من زيارته الخاصة لفرنسا. وقد رأى العديد من المتتبعين أن هذا الاتصال الهاتفي كان مؤشراً على أن الملك لم يكن راضياً على الخطوة التي قام بها شباط في هذا الوقت الدقيق الذي يمر منه المغرب، في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر منها، وغذاة الأزمة السياسية التي عاشها ملف الصحراء في الأمم المتحدة، والتي كادت أن تبعثر أوراق المغرب بخصوص قضية الوحدة الترابية.
مر أسبوعين على قرار شباط بالانسحاب من الحكومة ولم يتم استقباله من الملك بعد، كما لم يحسم في انسحاب وزراء حزبه من الحكومة. بل الأكثر من ذلك، فحتى المذكرة التي من المفترض أن يرفعها الأمين العام للحزب لتفسير أسباب قرار الاتسحاب، لم تكتمل بعد، ومن المنتظر أن تكون أقل حدةً مما كان متوقعاً وأن تقترح فقط إعادة النظر في عمل الحكومة عوض المس بالوزراء شخصياً.
وكما جاء في مقال لموقع “المستقل“، اندفاع شباط وتسرعه السياسي ورغبته الجامحة في أن يظهر مظهر الزعيم الذي يملك العصا السحرية التي يمكنها إخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشيها، بالإضافة إلى إرادته في سحب البساط من تحت أقدام رئيس الحكومة، جعلوه في وضعية صعبة وصفها الموقع الإلكتروتي بوضعية “زوجة المنحوس ماهي مطلقة ماهي عروس”.
إن الخرجات الإعلامية الصاخبة والمتكررة للسيد حميد شباط وهجماته بألفاظ شعبوية ضد رئيس الحكومة والسيد نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، بدأت تتسبب في تصدع شعبية حزب الاستقلال حتى في الأوساط التقليدية التي كانت دائماً تعبر عن وفائها لهذا الحزب. فأقل ما كان يحتاجه حزب مثل حزب الاستقلال هو تواجد شخص على رأسه يتبنى الهجوم على الأشخاص كمبدأ من مبادئه في العمل السياسي. ومما يؤشر على أن شباط بدأ يعصف بمستقبله السياسي الكم الهائل من الانتقاذات اللاذعة التي وُجهت له في منابر التواصل الاجتماعي عقب قراره بالانسحاب من الحكومة، إلى درجة أنه تم تداول صورة له تشبهه بفرعون المغرب وصورة أخرى تشبهه بالرئيس الليبي السابق، المعمر القذافي، الذي كان معروفاً بجنون العظمة وبأسلوبه الهجومي.
فبالإضافة إلى أنه من شأن تحركاته السياسية أن تعصف باستقرار البلاد وتلقي به في دوامة من الاضطرابات، فقد ارتكب شباط، حسب بعض المراقبين، بعض الأخطاء التي لم ترق القصر الملكي.
أولى هذه الأخطاء هو محاولة إقحام الملك في اللعبة السياسية بين الأحزاب في الوقت الذي يحبذ فيه هذا الأخير أن يبقى حكما مراقباً للشأن الحكومي عن بعد، مع قيامه بالدور المنوط به في حماية حوزة الوطن والدفاع عن وحدتها الترابية، وفقاً للفصل 42 من الدستور. ففي حال زكى الملك المناورات غير المسؤولة التي قام بها شباط وتدخل بالفعل لإقناع بن كيران بالرضوخ لطلباته والقيام بتعديل حكومي يتماشى مع تطلعاته، فمن شأن ذلك أن يُعطي إشارات سلبية للرأي العام المغربي وللمراقبين الدولييين، ويبين أن المؤسسة الملكية لم تكن جادة في المباردات الإصلاحية التي قامت بها منذ خطاب يوم 9 مارس 2011، وهو الشيء الذي يريد الملك تفاديه.
كما أن قراءة السيد شباط للفصل 42 من الدستور لم تكن صائبة، إذ حسب الممارسة السياسية الجاري بها العمل في الملكيات مثل المغرب، فإن الملك يتدخل لترجيح كفة حزب على آخر في حال لم يستطع أحدهما خلال الانتخابات التشريعية تحقيق الأغلبية التي من شأنها أن تمكنه من تكوين حكومة، وهو ما لا ينطبق على الحالة المغربية، إذ أن حزب الاستقلال يتواجد أصلاً في حكومة وافق على الانضمام إليها بعد انتخابات نوفمبر 2011.
ثاني أخطاء شباط، وكما ذكره قبل أسبوع موقع Maghreb Intelligence هو أن تسرعه واندفاعه جعلاه يدفع بقيادة حزبه إلى اتخاذ قرار مصيري في ظل تواجد الملك خارج الوطن، وهو ما لم يرق القيادة العليا للبلاد، خاصةً وأن العرف المعمول به في الحقل السياسي المغربي منذ أيام الملك الراحل الحسن الثاني هو أن الأحزاب السياسية لا تأخذ قرارات لها تأثير على المسار السياسي والاقتصادي للبلاد واستقراره في ظل غياب الملك. ولعل تأخر الملك في الرد على طلب شباط باللقاء به لمؤشر عن عدم رضى القصر الملكي عن الخطوة التي قام بها.
فعوض التريث وانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع في الأيام القادمة، تمادى السيد شباط في اندفاعه وفي خرجاته الإعلامية وطالب هذه المرة بعقد مناظرة تلفزية بينه وبين رئيس الحكومة كما لو كان المغرب يعيش في حملة انتخابية. فما تناساه شباط هو أنه طرف في الحكومة التي ينتقذها وأن انعقاد مثل هذه المناظرات يقع إبان الحملات الانتخابية بين المتنافسين السياسيين، وليس بين رئيس للحكومة ورئيس حزب في نفس الحكومة. وإن ذلت كل هذه الأخطاء المتكررة على شئء، فإنما تدل على عدم الحنكة السياسية للسيد شباط وقلة معرفته بقواعد اللعبة السياسية الديمقراطية، مما يطرح أكثر من علامة استفهام حول كفاءته وجدارته بتقلد مناصب عمومية على أعلى مستوى.
فعوض أن يؤتي الضغط الذي مارسه شباط على بن كيران مند شهور أكله، فقد أتى بنتائج معاكسة لتوقعاته وحساباته، إذ عبر الملك في اتصال هاتفي مع السيد عبد الاله بن كيران عن ثقته في هذا الأخير، مما يمكن اعتباره صفعة للحسابات السياسية للسيد شباط.
كما ارتفعت الأصوات التي تنادي بسقوطه وإبعاده من الحقل السياسي. أولى هذه الأصوات ارتفعت في مدينة فاس نهاية الأسبوع الماضي حين اجتمعت أعداد هائلة من سكان العاصمة العلمية تطالب برحيله وتردد شعارات مثل “فاس، فاس ملكية، ماشي، ماشي شباطية”. كما تجمهر عدد كبير من سكان المدينة وسط هذا الأسبوع وطالبو برحيله من خلال ترديد شعار مثل “الشعب يريد إسقاط شباط”.
إن ردة فعل الشارع المغربي على المناورات السياسية التي يقوم بها الأمين العام لحزب الاستقلال لدليل على أن نسبة مهمة من الرأي العام المغربي ليست لها الثقة في المشروع السياسي لهذه الشخصية السياسية الجدلية، إن كان لها مشروع سياسي أساساً، بل وتنظر إليه على أنه إنسان يسعى فقط لخدمة مصالحه الشخصية، مهما كان ذلك مكلفاً لمصالح البلاد والعباد واستقراره السياسي وأمنه الاجتماعي.
وفي المقابل أدت الممارسات التي قام بها الأمين العام لحزب الاستقلال إلى إظهار حزب العدالة والتنمية على أنه ضحية لقوى سياسية ليست لها الرغبة في تحريك العجلة الإصلاحية في البلاد ومنزعجة من الجهود التي تقوم بها الحكومة من أجل محاربة الفساد وإرساء أسس الحكامة الرشيدة ومحاسبة أولئك الدين تبث تورطهم في استغلال النفوذ ونهب المال العام، من بينهم بعض قياديي حزب الاستقلال الذين شاركوا في حكومة عباس الفاسي.
وربما قد فطن بعض قياديي حزب الاستقلال إلى الضرر الذي أصبح يلحقه شباط بسمعة حزبهم وتواجده على الخريطة السياسية المغربية، مما دفع البعض منهم إلى الضغط عليه من أجل تليين لهجته تجاه رئيس الحكومة وآخرين إلى البحث في إقالته من الأمانة العامة للحزب. فسحب ما ذكره موقع المستقل، فقد عبر كل من بوعمر تاغوان، وتوفيق حجيرة، وقيوح وحمدي ولد الرشيد، أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب عن امتعاضهم من الطريقة التي يدير بها الأزمة الحكومية التي تسبب فيها قرار انسحاب حزبه من الحكومة، وأصبحوا يعقدون جلسات ماراطونية من أجل بحث إمكانية إقالته.
لا يمكن لأحد التكهن بما ستئول إليه الأوضاع في حزب الاستقلال في الأيام القليلة القادمة، غير أن ما يمكن للمرء أن يلاحظه هو اندحار شعبية حزب الاستقلال وتحول أمينه العام إلى هدف للانتقاذ اللاذع والسخرية من قبل نسبة مهمة من المغاربة. فلربما قد فطن قيادي الحزب أن الوقت قد حان لتدارك الموقف وإنقاذ ماء وجههم وإعادة كسب ثقة الرأي العام المغربي في مشروعهم السياسي لحزبهم ومشروعيته التاريخية.
* المؤسس بالشراكة ورئيس تحرير موقع Morocco World News.