وأضاف جلالة الملك أنه ، تفعيلا لهذا التوجه، "قمنا بإطلاق "استراتيجية" للنهوض بالشأن الديني، عززناها بخطة "ميثاق العلماء"، جاعلين في مقدمة أهدافها، توفير الأمن الروحي للمملكة والحفاظ على الهوية الإسلامية المغربية".
كما اعتبر جلالته القرار الأخير لمجلس الأمن أكد بصفة حازمة المعايير التي لا محيد عنها للتوصل إلى حل سياسي توافقي وواقعي لقضية الصحراء المغربية.
وقال جلالته إن هذا القرار يبرز ،بصفة خاصة، البعد الإقليمي لهذا الخلاف وكذا مسؤولية الجزائر التي تعدُّ معنية به، سواء على المستوى السياسي أو على المستوى القانوني الإنساني المتعلق بالوضعية المهينة لمخيمات تندوف. وأوضح جلالة الملك أنه ، وعملا بنفس القرار، يتعين ألا يتم التعاطي مع مسألة حقوق الإنسان إلا من خلال الآليات الوطنية، وخاصة المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يحظى بالمصداقية الدولية، وبمبادرات سيادية قوية تتفاعل إيجابياً مع المساطر الخاصة للأمم المتحدة.
وأكد جلالة الملك أن المغرب ، وفي مواجهة الموقف المتعنت للأطراف الأخرى، لإبقاء الوضع على ما هو عليه، وكذا حملاتها التضليلية، سيعمل على مواصلة الدينامية التي أطلقها على الصعيد الداخلي، والتي تسعى في المقام الأول إلى تحقيق المزيد من الحكامة الاقتصادية والاجتماعية الجيدة، من خلال النموذج التنموي الجهوي الذي يسهر على إعداده المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، "والذي نتطلع إلى تفعيله بكل نجاعة والتزام".
كما أن السياسة الحكيمة للملك محمد السادس في المجال الخارجي جعلت المغرب يعرف على مستوى علاقاته الخارجية، تطورا وتقدما ملحوظا، في انسجام تام مع مختلف السياسات العمومية، التي ينهجها في الداخل.
"وفي هذا السياق، لم نزل نعمل على نهج سياسة دولية متوازنة، متعددة الاتجاهات، حيث تمكنا من تقوية علاقاتنا مع شركائنا التقليديين بصورة ملموسة ومن فتح آفاق جديدة وواعدة مع الشركاء الجدد". وأضاف جلالة الملك أنه ، في هذا الإطار، ظل المغرب يتطلع إلى انبثاق نظام مغاربي جديد يمكن دوله الخمس من بناء مستقبل مشترك تجسده على أرض الواقع آليات التكامل والاندماج وحرية الانتقال للأشخاص والأموال والممتلكات، بعيداً عن افتعال المعيقات وفرض الشروط ، وذلك في تناغم مع التغيرات التي عرفتها الساحة الإقليمية.
وأكد أن المغرب تحدوه نفس القناعة، في ما يخص العالم العربي ، حيث يسعى، بتوافق مع جميع دوله، إلى بلورة منهجية جديدة للعمل العربي المشترك.
"وفي هذا السياق، يضيف جلالته ، قررنا بمناسبة زيارتنا لبلدان مجلس التعاون الخليجي، إرساء قواعد شراكة استراتيجية بين المملكة وهذه المجموعة الإقليمية المنسجمة والواعدة ، مسجلين بكل ارتياح النتائج الإيجابية الأولى لهذه الشراكة"، موجها جلالته عبارات الشكر والامتنان على قرار الدعم المالي للمغرب، "من لدن إخواننا المبجلين : خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية، وصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وصاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، وكذا صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وخلفه صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر. هذا الدعم المتمثل في تقديم هبة مليار دولار سنويا للمغرب على مدى خمس سنوات وعلى تفعيل هذا القرار". وبخصوص القضية الفلسطينية قال جلالة الملك إنه ما فتئ يواصل جهوده على رأس لجنة القدس للدفاع عن هذه القضية العادلة من أجل أن يعيش الشعب الفلسطيني الشقيق ضمن دولة مستقلة داخل أراضيه على أساس مبادرة السلام العربية، مؤكدا جلالته أنه يتابع دعمه والتزامه بالحفاظ على الهوية الحضارية والدينية لمدينة القدس الشريف، ولاسيما من خلال لجنة القدس والذراع الميداني لها، "وكالة بيت مال القدس"، التي تقوم بإنجاز العديد من المشاريع الملموسة.
وتوقع جلالته أن تحقق هذه الوكالة أكثر ما يمكن من النفع العام إذا ما تلقت الدعم المادي من مختلف الدول الإسلامية، طبقا للالتزامات المشتركة التي تعهدت بها هذه الدول عند إنشاء هذه الوكالة المتخصصة. وبالنسبة لعلاقات المملكة مع الدول الإفريقية أشار جلالة الملك إلى أن المغرب واصل سياسته التضامنية تجاه الدول الإفريقية الشقيقة، مكرسا بذلك قناعته العميقة بخصال التعاون جنوب-جنوب، مذكرا جلالته بأنه قام بزيارات رسمية ، خلال هذه السنة ، لثلاث دول إفريقية شقيقة بهدف توطيد الأواصر التي تجمع المغرب بقارته، حيث وقف جلالته على طلب هذه الدول للاستثمارات والخبرة المغربية، داعيا جلالته الفاعلين المغاربة إلى التجاوب مع هذا الطلب لتحقيق المزيد من الاندماج والتقارب والتكامل بين اقتصادياتنا.
أما بخصوص العلاقات مع أوروبا فأشار صاحب الجلالة إلى أن المملكة واصلت استراتيجيتها الانفتاحية المبنية على التفاعل الإيجابي مع شركائها الأوروبيين، مؤكدا، في هذا الصدد ، حرص المغرب على تعزيز علاقته الثنائية مع المملكة الإسبانية والجمهورية الفرنسية، بمناسبة الزيارات التي قام بها للمملكة كل من جلالة العاهل الإسباني خوان كارلوس الأول وفخامة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند. كما أبرز أن المساعي المشتركة متواصلة بهدف توطيد أكثر للشراكة مع الاتحاد الأوروبي في إطار الوضع المتقدم الذي يتميز به المغرب، وذلك من خلال فتح آفاق جديدة وواعدة لهذا التعاون.
وقال جلالة الملك إن هذا الإشعاع الدبلوماسي امتد إلى كل القارات الأخرى والفاعلين الدوليين فيها وإن السهر دائم على تقوية علاقات المملكة معهم، مذكرا جلالته ، في السياق ذاته، بأن المغرب بصفته عضوا غير دائم عمل على رفع صوت إفريقيا والعالم العربي عاليا في مجلس الأمن.
"وفي هذا الصدد، يضيف جلالة الملك ، نود التأكيد باسم المغرب، عن تضامنه مع الشعب السوري الشقيق الذي يعاني مآسي الصراع الدموي الرهيب والمدمر، مؤيدين لخياراته المصيرية ووحدته الترابية. كما نقف إلى جانب جمهورية مالي الشقيقة في الحفاظ على وحدتها الترابية وخيارها الوطني في صيانة هويتها من التطرف والنزوعات الإرهابية. وسنواصل عملنا وفق هذه التوجهات الدبلوماسية المغربية المرتكزة على آليات التعاون المتجددة المتأقلمة مع المتغيرات الدولية".