كواليس زووم بريس
طوطو يعيد تشكيل ديوان المهدي بنسعيد

 
صوت وصورة

الوجه المظلم لحقبة جمال عبد الناصر


مغ صنع الله ابراهيم


غالي شكري حبر على الرصيف


نجيب محفوظ | عملاق الادب العربي - قصة 80 عام من الابداع


فاجعة طنجة

 
أدسنس
 
ثقافة و فنون

طبعة جديدة من الأعمال القصصية لغالب هلسا

 
أسماء في الاخبار

حقيقة تمارض الناصري في السجن

 
كلمة لابد منها

الاعلام الفرنسي يتكتم عن مصدر معلومات ملف كنيسة مونبليه

 
كاريكاتير و صورة

زووم بريس
 
كتاب الرأي

التعديل الحكومي.. بين الإشاعة وضرورة إجرائه...

 
تحقيقات

جزائريون مجرد مكترين عند ورثة فرنسيين

 
جهات و اقاليم

فتح تحقيق في حق ثلاثة شرطيين للاشتباه في تورطهم في قضايا تزوير

 
من هنا و هناك

حادثة الطفل ريان .. مليار و700 مليون متفاعل عبر العالم

 
مغارب

لن تنام عند أحدهم يا أنطوان بالجزائر

 
المغرب إفريقيا

منطقة التجارة الحرة الإفريقية توفر فرص لقطاع السيارات في المغرب

 
بورتريه

معرض الكتاب يلقي الضوء على تجربة السيد ياسين

 
 

كيف نقيس تقدم أمة؟.كوريا معجزة شرق أسيا نموذجا ؟
 
أضف المقال إلى :
yahoo Facebook yahoo Twitter Myspace delicious Live Google

أضيف في 25 مارس 2014 الساعة 23 : 11


 

 

 

كيف نقيس تقدم أمة؟.

كوريا معجزة شرق أسيا نموذجا ؟....

في البداية، أرى من الضروري توضيح إلتباس ضبابي، لازم الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم، منذ مطلع الستينيات، وما زالت تروج له بعض الجهات إلى غاية اليوم، لتوهم الرأي العام الوطني، بأن نوعية الخلاف المطروح في بلادنا، هو مجرد خلاف بين الأحزاب الليبيرالية الإشتراكية. وهذا وهم عمر عقودا، وهو طرح غير صحيح بالمرة، يرمي بالدرجة الاولى إلى ترويج مجموعة من المغالطات، وفي مقدمتها أن الخلاف الذي يجري في المغرب منذ الستينيات، وما صاحبته من صراعات وأحداث، في نظر البعض، مجرد خلاف فكري بين الليبراليين والإشتراكيين...

 

في حين أن المشكل المطروح، منذ إعلان الإستقلال وهو مشكل اختيارات وطنية للدولة المغربية، ومن يحدد هذه الإختيارات الكبرى؟ هل هو برلمان شعبي حقيقي، يعبر عن طموحات الشعب المغربي، وعن شهدائه الذين حملونا أمانة بناء إستقلال المغرب على أسس ديمقراطية عادلة، تعود بالنفع العميم على كافة المغاربة؟ أم أن اختيارات المغرب، ستبقى موسمية، ترقيعية، نرتجلها حسب النشرة الجوية والتقلبات المناخية، وإرضاء لرغبات وتوجهات المنظمات المالية الدولية؟

 

وبالفعل، فلقد ظل التعصب يزداد خلال العقود الأخيرة، لدعم التوجه الليبرالي، وما يمكن أن يحققه من "إستثمارات" نسمع ضجيجها، ولا نرى لها طحينا... هذا بغض النظر عن مضمون قانون الإستثمارات، وما يتضمنه من امتيازات وتنازلات لفائدة المستثمرين، وما يمتصونه من أرباح وفوائد وتسهيلات ... ظل الكلام عنها مبني للمجهول، وخارج عن التغطية، لغاية في نفس يعقوب...

 

ومما زاد في دعم هذا الإتجاه الليبرالي، هو حجة أو تعلة سقوط تجربة الإتحاد السوفياتي (1990-1917) والتي لم تحقق كل أهدافها المرسومة، وذلك لمجموعة من الأسباب الموضوعية والذاتية، لا مجال في هذا السياق للدخول في تفاصيلها ... ومع ذلك، لابد من الإشارة بأن الأسس التي قامت عليها تجربة 1917 ما زالت قائمة، تفرض وجودها منها: الإستغلال + التفاوت الطبقي وما يتولد عنهما من مضاعفات إجتماعية، ثقافية واقتصادية...

 

 إن السياسيين الذين يروجون بلا حياء، ولا أخلاق، بأن الإشتراكية ماتت، وبأن حتمية الإختيار هي الليبيرالية المعولمة، يجهلون أو يتجاهلون الشيء الكثير عن فشل تجربة تطبيقية في بعض مراحلها، ولكن المبدأ الإشتراكي بمفهومه اللشمولي الواسع ما زال حيا، ويطرح نفسه بالحاح، في عهد العولمة أكثر من أي وقت مضى...

 

هذا التوضيح في تقديري كان ضروريا قبل أن نرد على أنصار الليبيرالية المخضرمة والمتوحشة، التي فرضت على المغرب، تحت ضغوطات دولية، وفي ظروف دقيقة، باعتبارها الإختيار الصحيح، الذي ينبغي التمسك بخطه، كقضاء وقدر، لتحقيق نهضتنا الإقتصادية...

 

وهذا التمهيد التوضيحي كان ضروريا أيضا، قبل أن نسوق التجربة التحررية التي خاضها شعب كوريا الجنوبية، في ظروف جد صعبة للغاية على عدة مستويات، وفي ظل اختيارات ليبرالية صارمة، والتي أدت في نهاية المطاف إلى تحقيق نجاحات باهرة، الشيء الذي جعل العالم ينعتها بمعجزة شرق أسيا. وبعد عقد مقارنة تقاربية ما بين النتائج والمنجزات والآفاق المستقبلية المفتوحة أمام التجربتين، سنجيب عن أسباب تفاوتات في النجاحات المحصل عليها في جمهورة كوريا والمملكة المغربية...

 

لذا يستحسن بادئ دي بدء، تقديم بعض الأرقام والمعطيات الأولية والضرورية عن جمهورية كوريا الجنوبية، وكدا المراحل الصعبة التي واجهتها قبل أن تصبح معجزة شرق أسيا. وهذه المعطيات ستهتم على الخصوص: بالمساحة وصعوبة التضاريس، السكان، الفلاحة، الصناعة، التعليم، التكوين، البحث العلمي، الدخل الفردي، الطلاب، التخصصات...

 

إن المساحة الإجمالية لكوريا الجنوبية لا تتعدى 98 ألف كلم مربع أي ما يعادل مساحة إقليم بوجدور في المغرب والتي تصل إلى 100 ألف كلم مربع أو إقليم فكيك 56 ألف كلم مربع أو إقليم ورزازات 55 ألف كلم مربع. ومعنى هذا أن مساحة المغرب تكبر مساحة كوريا بأكثر من سبع مرات، وهذا يعني أيضا بأن فرص التطور والنمو الإقتصادي والصناعي، من المفروض أن تكون أكبر وأقوى ... خاصة إذا علمنا بأن المناطق الجبلية لكوريا وعرة المسالك وتمثل 60% من مجمل المساحة العامة، ويحيط بشبه الجزيرة الكورية 3200 جزيرة صغيرة الحجم.

 

ويتبين من خلال هذه المعطيات بأن المجال الفضائي المتبقي للفلاحة فضاء محدود للغاية. ولتحدي هذه المعضلة وجب التفكير في إعطاء الأسبقية للصناعة التقنولوجية الحديثة، والمعلوميات، وصناعة السيارات، للتغلب على إشكالية ضيق المجال. هذا ومما تجدر الإشارة إليه، هو أن أغلبية بناء هذه الأوراش الصناعية تم تمويلها من التحويلات المالية للعمال المهاجرين، الذين يعملون بمختلف دول العالم، ورغم الظروف والشروط الصعبة التي عمل فيها شعب كوريا، نجح في تحقيق نتائج إيجابية ملموسة، بعدما قهر بروح جماعية، تضامنية الكثير من الصعاب التي اعترضت طريق تقدمه، ونخص بالذكر منها على الخصوص المجالات التالية:

 

    فعدد سكان كوريا الذي كان لا يتجاوز في سنة 1965 تجد في  35 مليون إرتفع إلى 47 مليون سنة 2011

  

  أما عدد عمال الفلاحة انتقلت نسبتهم من 6,6 إلى 8,7 %  في سنة 2010 وارتفع معه المنتوج الفلاحي الأساسي وهو الأرز والذي أصبح يضمن الإكتفاء الذاتي، والباقي يأخد طريقه للتصدير.

 

    ارتفع الدخل الفردي من 120 دولار سنة 1965 إلى 996 درهم سنة 2010

 

    عدد سكان العاصمة سيول إرتفع من 4 ملايين سنة 1965 إلى 12 مليون سنة 2011

 

    ولقد عززت الحكومة الكورية عدد جامعاتها الذي وصل إلى 256 جامعة في سنة 1965، بشبكة هائلة من المعاهد العليا التطبيقية المتخصصة في مختلف المهارات المهنية، حيث ارتفع عدد الطلبة المسجلين في سنة 1965 من %85 إلى %92 في سنة 2011. ولقد قامت الحكومة بتوزيع هذه المعاهد العليا المتخصصة على عدة أقاليم. تلبية لحاجيات مختلف القطاعات الصناعية. والجديد في الامر هو أن أرباب القطاع الخاص هم الذين قاموا بتغطية الجزء الأكبر من تكاليف بناء وتدبير هذه المعاهدة العليا المختصة بالتكوين وإعادة التكوين. والدولة تكتفي  التنسيق بعملية التسيق والمراقبة البيداغوجية.
ومن خلال هذا الإختيار الليبيرالي الذي اختاره الشعب الكوري، وفق رؤية واضحة المعالم والآفاف، ومتكاملة الحلقات، ارتفع عدد الطلاب في كوريا سنة 2011 إلى 260.000 طالب، بالإضافة إلى تكوين الأطر العليا المتخصصة بمختلف دول العالم: ففي جامعة انجلترا نجد نسبة 46% من الأطر، و 75% مسجلة بالمعاهد الفرنسية، ونجد 120 ألف مسجلة بمعاهد آسيا، 490 ألف بمعاهد كندا، و 350 ألف بأميركا اللاتينية و300 إطار بمعاهد الشرق الاوسط، و850 طالب بإفريقيا.

 

إن هذه المجهودات المتواصلة التي مافتئت تبذلها الدولة في مجال التكوين الطلابي، وتكوين المهندسين والأطر العليا، هي مجهودات هادفة، وذات دلالات عميقة، تؤكد بأن الدولة تصر على تركيز أهم استثماراتها الأساسية على العنصر البشري بالدرجة الاولى لبناء نهضة كوريا الجنوبية. وهذا ما يفسر ارتفاع عدد المتخرجين المتزايد من المعاهد العليا والتطبيقية حيث قفز عدد المتخرجين سنة 2010 من 32.000 إلى 45.000 متخرج,. وفي نفس الإتجاه، ارتفع تخرج المهندسين المختصين من 32 على كل 10.000 مواطن إلى 45/10.000 مهندس على 10.000 مواطن وهذه كلها مؤشرات إيجابية ومحفزة، تعمل على تقوية البنيات التحتية، وتهيئ المزيد من الشروط المطلوبة لتحضير القفزة النوعية التي تستعد لها كوريا نحو الأفضل...

 

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد، أن اهتمام الدولة المتواصل بالقطاع الطلابي وتكوين المهندسين، والأطر العليا المتخصصة، لم يمنعها من إعطاء أهمية بالغة، وبكيفية موازية لتشجيع البحث العلمي، حيث رفعت الدولة ميزانيته إلى 35 مليار دولار سنة 2011، إعتقادا منها بأن نتائج البحث العلمي، ستكون لها انعكاسات جد إيجابية على مجموع اقتصاد كوريا.

 

وهذا ما حصل بالفعل حيث إرتفعت قيمة الصادرات الكورية من 52 مليار دولار سنة 1988 إلى 466 مليار دولار سنة 2010. ولقد انعكست نتائج البحث العلمي على قطاع السيارات ومبيعاتها، حيث قفزت من 100 ألف إلى أربعة ملايين سيارة في الأسواق الخارجية ومليون سيارة بالسوق الداخلي. ومن النتائج الملموسة التي حققتها كوريا الجنوبية، وأدهشت عالم المال والاعمال، هو ارتفاع حجم صادراتها في سنة 2010 إلى 425 مليار دولار. فالمغرب لوحده استورد من كوريا 25 مليار دولار وبالمقابل صدر لكوريا 16 مليار دولار كلها فوسفاط...

 

هذه النتائج المشجعة التي حققها شعب كوريا، في عدة قطاعات حيوية، أعادت للشعب ثقة كبيرة في نفسه، وولدت لديه قدرة خارقة للعادة لقهر المعوقات القائمة. ضيق المجال الجغرافي، المسالك والتضاريس الوعرة للغاية، التركبة الجيولوجية، شح خيراتها الطبيعية... استطاعت جماهير شعب كوريا رفع التحديات، ومواجهة المعوقات الممدودة في طريق نهضتها التنموية، من خلال شحد إرادتها السياسية لتغيير واقعها المزري، بفتح أفاق مستقبلية جديدة تستجيب لطموحات مجموع الشعب الكوري...

 

ومن خلال هذا النهج القويم الذي حدد المسؤوليات والواجبات، في إطار من المحاسبة الصارمة، نجحت الأمة الكورية، بكل فئاتها أن تستوعب أسباب المعوقات التي تحاصر انطلاقتها، فوضعت تشخيصا دقيقا، حولته إلى اختيارات وطنية كبرى، تهدف بالدرجة الأولى إلى فتح أفاق تحريرية واعدة لمجموع شعب كوريا.

 

وانطلاقا من هذه القناعة الشعبية، المبنية على دراسات ميدانية علمية، اختار شعب كوريا، إعطاء اسبقية الأسبقيات في تصاميمها الخماسية للإستثمار في العنصر البشري كمنطلق رئيسي لبناء تنمية إقتصادية، في شكل حلقات مترابطة ومتكاملة الأجزاء تستجيب لطموحات الأمة وتطلعاتها المستقبلية ... وفي هذا السياق، إتجهت الجهود كل الجهود إلى تطوير العنصر البشري: تطوير مواهبه، استعداداته وقدراته إلى أقصى حد ممكن. فعبات الدولة كل أجهزتها، لإقناع الأسر والأباء بإنجاح الحملة، وبدعم العملية التعليمية والتكوينية، والإنكباب على البحث العلمي لفك الحصار، وقهر الصعاب المادية والجغرافية... وفي ظرف خمس سنوات الأولى 1970-1975، حقق الشعب نتائج مدهشة في عالم التقنيات والمعلوماتية وكذا الإلكترونيات.

 

وبالفعل فإن النتائج المدهشة التي تكلمت عنها صحف العالم، وخصصت لها حيزا مهما من أعمدتها، نوه بالبنيات التحتية القوية، من مؤطرين أكفاء، أو على مستوى بناء المؤسسات التعليمية المختصة: فعدد الجامعات ارتفع من 256 إلى 367 جامعة. بالإضافة إلى المعاهد العليا الخاصة، يمولها الطلاب، والمعاهد العليا التطبيقية لتكوين العمال المختصين يمولها القطاع الخاص...

 

 واعتبارا من سنة 1975 تخرجت أفواجا تلو الأفواج من الطلبة في عدة اختصاصات وفي نفس السنة 1975 أعلنت صحف العالم عن اختراع أول سيارة كورية وتمت عملية الإقلاع بنجاح... وعندما بدأ إنتاج السيارات يتدفق، بادرت الوحدات الإنتاجية، تشجع القدرات العاملة، لإتقان الإنتاج ورفع مستوى الإنتاجية، والمردودية، فرصدت لذلك تشجيعات مادية ومعنوية بمختلف أنواع التخصصات. وهذه التشجيعات والتحفيزات على اختلاف أنواعها هي التي جعلت عدد السيارات المصنوعة في سنة 2010 يصل إلى خمسة ملايين سيارة؟ ! وارتفعت المبيعات خلال نفس السنة إلى 32 مليون دولار ؟ !
وبمجرد نجاح التجربة التصنيعية على المستوى الوطني، بادرت السلطات الحكومية إلى تنزيلها بصورة مصغرة على مستوى الجهات والأقاليم، وبأسلوب شعبي مدروس بعناية فائقة من طرف القيادات الجهوية، يستمد قوته من جذور الواقع المعاش... أما منهجية التنزيل فهي تتركب من خمسة محاور متكاملة. يمكن إجمالها في المؤشرات التالية:

 

- تكوين خلايا محلية من مختلف الاتجاهات الحزبية والمهنية والحقوقية، بالإضافة  إلى لجنة وطنية متعددة الاختصاص متنقلة لتسهر على:

 

–جمع أراء المواطنين وتدوينها، تم إحصاء الحاجيات الضرورية لسكان الجهة...


– تنظيم سلسلة الاجتماعات مع السكان في أحيائهم لمناقشة طرق تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وكذا طرق التمويل، مع تحديد سلم الأسبقيات، وإعطاء الأسبقية للمشاريع المدرة للدخل إلخ...

 

– تسهر الخلية الأم للجهة على تجميع وتصنيف الاقتراحات المقدمة من طرف مواطنين الجهة وتعمل على تنقيحها وصياغتها صياغة نهائية، قبل تقديمها للجهة المسؤولة في الحكومة.

 

 – تدرس الحكومة الاقتراحات المقدمة إليها بمختلف الجهات، وفق يومية زمانية، وتقرر إتر ذلك الإجراءات اللازمة للتنفيذ بعد التعديل...

 

ومن خلال هذا النهج التشاركي، الذي ينطلق من القاعدة إلى القمة والعكس بالعكس، والذي يخلق حوارا دائما بين المؤطرين الحزبيين والجمعويين، وأعضاء الجماعات المحلية، نجحت كوريا المعجزة ببناء وتركيز وترسيخ الجهوية التشاركية، والتي لعبت أدوارا فعالة في تسريع انطلاقة القطاع الصناعي الكوري: كقطاع النسيج، وصناعة السكر، التجهيزات المطبخية مع رفع إنتاجية القمح والأرز...
وبفضل هده الدينامية الحية والمتجددة، التي عمرت أكثر من أربعة عقود متوالية، وبفضل ثمانية تصاميم خماسية، حددت المراحل والتوقعات، تمكنت كوريا المعجزة من تحقيق شطر مهم من اختياراتها السياسية، الواضحة المعالم والقائمة على العمل الجماعي المعم بإرادة وإدارة شعبية واعية ومسئولة: أهلت النمو الاقتصادي الكوري ليحقق نتائج مدهشة أبهرت العالم فسماها: "بمعجزة شرق أسيا" لأنها نجحت بامتياز، رغم كل الإكراهات المحيطة بها ومن حولها في تحويل الناتج المحلي من 2.3 مليون دلار سنة 1962 إلى واحد ترليون و500 مليون دولار، وجعلت الدخل الفردي يرتفع إلى 858 بليون و 800 مليون دولار. وبفضل هذه المعجزة الأسيوية، والتي أصبحت مضربا للأمثال، هي التي أهلت اقتصاد كوريا يحتل المرتبة الحادية عشر على المستوى العالمي، في حين ظل النهج الليبرالي المغربي يحتفظ برتبته 130 وما بعدها... !

 

إن هذه الحاصلة الناجحة، تضعنا أمام تساؤل من حجم كبير: " ما هي الأسباب التي منعت المغرب من تحقيق معجزة شمال إفريقيا" رغم توفره على الكثير من المؤهلات والخيرات الطبيعية والبشرية والجغرافية، تفتقر إليها الكثير من دول أسيا. وهذا ما سنحاول الإجابة عنه في فقرات لاحقة.

 

عاش شعب كوريا، كسائر شعوب العالم، خلافا فكريا حادا، حول تحديد نوعية الاختيارات الوطنية الكبرى التي ستقوم على أساسها الدولة المستقلة. مع العلم أن جارتها كوريا الشمالية، اختارت النهج الاشتراكي، لاعتبارات داخلية وخارجية فرضت وجودها.... غير أن كوريا الجنوبية، اعتبارا لظروف وشروط، ومعطيات معينة، آثرت تنظيم عدة استفتاءات في مختلف قطاعاتها الحيوية، باعتبارها تمثل برلمانا حقيقيا يعبر عن طموحات مجموع الشعب. وبعد سلسلة من الحوارات والتوضيحات المباشرة تم الاتفاق على اختيار الليبرالية البنيوية، تقوم على أسس اقتصادية واجتماعية وديمقراطية، مصحوبة بمراقبة ومحاسبة صارمتين، حتى يعود النفع العميم لهذا الاختيار على مجموع شعب كوريا. وفي ظل هذا الإطار المسؤول، والمحبوك، انطلقت التصميمات الخماسية المتوالية حسب سلم الأسبقيات المدروسة بعناية فائقة ووفق الخط الاستراتيجي العام، الذي يخدم الأهداف التالية:

 

•    إعطاء الأسبقية ومنذ البداية وبدون إرتجال أو تردد لتركيز أغلبية الاستثمارات في الرأسمال البشري.

 

•    تعميم التعليم بمراحله، تعزيز التكوين الجامعي، تشجيع البحث العلمي.

 

•    تكوين يد عاملة مؤهلة تأهيلا عاليا، مع تنويع شعب التخصص التكنولوجي.

 

•    تعميم وتطبيق النتائج المتوصل إليها على كل الجهات وإشراكهم في تعميمها.

 

•    هذه الخطوات الناجحة ساهمت في رفع حجم الصادرات وتنويعها.

 

•    التصميمات الخماسية التي أعطت الأولوية للصناعات التكنولوجية الحديثة خولت لكوريا الصدارة في عالم المعلوميات، وأهلتها بالثالي إلى تطوير تجارتها الخارجية، فأصبحت تحتل المركز التجاري الأول في شرق اسيا.

 

•    وبكيفية موازية إحتل التأطير السياسي والحزبي، وكذا تكوين الأطر النقابية حيزا مهما فرز قيادات واعية بالتقلبات الإقليمية والدولية ومدى إنعكاساتها على منطقة شرق أسيا.

 

•    كوريا الجنوبية تتوفرب على أربعة أحزاب مؤطرة للشعب الكوري، برامجها متكاملة، تقتسم المهام الكبرى بينها كالتالي:

 

1– الحزب الحاكم يعطي الأسبقية للتصنيع لإمتصاص أكبر عدد ممكن للعاطلين.
2 – وبرنامج الحزب الثاني، يدعو إلى تطوير الإصلاحات الإجتماعية.
3 – وبرنامج الحزب الثالث يدعو إلى ضرورة الوحدة بين الشمال والجنوب لتعزيز التعاون الاقتصادي وتوسيع المجال التجاري
4 – أما الحزب الرابع فهو يضم النقابات والجمعويين، والمثقفين، وبرنامجه يدعو إلى المزيد من الاصلاحات والتغيرات الإجتماعية.

 

•    ومن خلال هذه الرؤية الواضحة، وبروح من المسؤولية العالية، إنطلق شعب كوريا، ومنذ البدائة انطلاقة سياسية، فوضع التصاميم، أصر العزم على المضي إلى الأمام بخطى تابثة، فحقق الاهداف تلوى الاهداف، فأبهر العالم بمعجزته وبرهن لشعوب العالم على مدى تاهيله للرشد، وحبه للعلم ورفضه المطلق للتبدير، والهذر، والفخفخة الزائفة، وتمجيده للترشيد، ومقاومة للتفاوتات، وامتيازات الريعوبذلك علم أجياله كيف يكون الافتخار بالوطن والتاريخ والامجاد...

 

•    هذا الاعتزاز بالنفس والثقة بقدراته المبدعة كلها صفات محمودة ومحفزة ساعدت شعب كوريا المناضل أن يحرر نفسه من معوقات التخلف المادي والفكري، يرسم أمام أجياله الصاعدة أفاق مستقبل واعد لصنع معجزة جديدة.

 

لقد تبين لنا بكل وضوح، من خلال استعراضنا لأهم المراحل الصعبة التي مر منها شعب كوريا، من اجل بناء استقلال بلاده على أسس بنيوية منتجة وقوية، بأن الأمر لا يتوقف على اختيار ليبرالي أو اشتراكي، بقدر ما يرتكز بالأساس على تحديد الاختيارات الأساسية للحكم التي تجيب عن الطموحات، وتحدد الأسس الهندسية لبناء الدولة والمجتمع، وبالمشاركة الفعلية لكل مكونات الشعب.

 

ويمكن القول بأن سر نجاح المعجزة الكورية، يكمنفي إشراك كل فئات الشعب في تحديد اختياراته الكبرى بنفسه، ليكسب ثقته بنفسه، ويتولى حماية تجربته من كل مكامن الخطر والفشل بنفسه. ومن تمة، فإن كل خطوة خطتها على طريق الإصلاح كانت بمشاركة الجماهير، باعتبارها قوة جماعية واعية بمسؤولياتها، وفاعلة في تقرير مصيرها.

 

هذا في الوقت الذي اكتفى فيه المغرب، منذ مطلع الستينيات، يرفع شعارات مفروغة من كل مضمون، يربط بين الشعار المرفوع، والواقع المعاش للجماهير التي لا تشعر داخلها بقدرة تقنعها بتبني، وتسير به بخطوات نحو الأمام. بل تكتفي بالتفرج كمن أصابته دوخة، فهو ينصت ولا يسمع... وهكذا، وطيلة نصف قرن، والسياسة المغربية تدور في حلقات مفرغة ترقيعية، تكرر نفسها، وتكرر معها سلسلة أغلاطها، والتي جزت بالمغرب في نهاية المطاف  إلى الطريق المسدود أو السكتة القلبية.

 

وفي الوقت الذي اختارت فيه كوريا هيكلة اقتصادية مفتوحة ومتنوعة، تفسح المجال الواسع أمام كل قدرات وطاقات الشعب للعمل، وعززت ذلك بسلسلة من اللقاءات على عدة أصعدة، لجمع المزيد من الإقتراحات من مؤطري القطاعات الحيوية المحلية والجهوية، لتقوية وتصحيح المسار الإقتصادي، اختار المغرب الإحتفاظ بالهايكل الإستعمارية القديمة، والتي وضعت خدمة لمصالح إقطاعية أجنبية وأغلبية هذه الهياكل مازالت مستمرة إلى الآن تحميها اختيارات وطنية غير صحيحة، وينتج عن تطبيقها: تفشي الرشوة، وإنعدام المسؤولية، والتهرب من المحاسبة، وكذا الإنفلات من المراقبة الشعبية ...!

 

وفي الوقت الذي نجد فيه تحولات العمال والأطر الكورية المهاجرة عبر دول العالم، ترصد لتمويل مراكز التكوين العالي، وتأسيس المقاولات الوسطى والصغيرة... بالمقابل نجد أموال الطبقة العاملة المودوعة في صندوق الإيداع والتدبير، والصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، تنفق على شبكات التجهيز السياحي... والغريب في الأمر هو أبناكنا الوطنية – التابعة لإقتصاد أجنبي – تمول بلا حياء شركات أجنبية، تشجيعا لها، واستجداءا لها، لتتفضل بفتح مشروعها السياحي، مع ضمان نقل أرباحها، وقسطا كبيرا من أجور موظفيها بحرية إلى الخارج، مع السماح لها بإستراد كل تجهيزاتها من الخارج، بما في ذلك الكراسي مع ضمان الإعفاءات الضريبية ... كل هذا وصناعتنا التقليدية تموت ببطء...!؟
"سلفو وألعب معه، واشمن أرباح تطلعلك معاه"!؟

 

ومن خلال هذه الإستثمارات المبنية على تنازلات وتسهيلات وتصرفات غير مسؤولة ولا محسوبة، تبين لنا بأن اختياراتنا الأساس، توجه السياسة المغربية في غيراتجاه التنمية الوطنية الشاملة كما سارت عليها كوريا. فإذا كانت كوريا تبني عملياتها على رابح رابح فنحن على العكس نبني عملياتنا الإستثمارية على خاسر رابح في عدة مجالات استثمارية... وهذا النهج أدى بالفعل إلى تحويل الثروة وكذا النفوذ السياسي إلى كمشة من المحظوظين الذين استفادوا من امتيازات الريع ولا أقول اقتصاد الريع... وذلك على حساب وخسارة السواد الأعظم من جماهيرنا الشعبية...

 

 

وبعد كل هذه المقاربات في شتى القطاعات الحيوية، يمكن القول بأن المغرب بكل مكوناته وطاقاته، موضوع أمام رهان تاريخي صعب، لا يمكن أن يتخطاه بنجاح إلا بإشراك الشعب المغربي بكل فئاته في تحديد إختياراته الأساسية في الحكم لإرجاع الثقة لمجموع الشعب وتعبئته كقوة جماعية، فاعلة وقادرة على تحديد آفاق مصيرها. وهذه الثقة ستعمل على تحرير إرادة الشعب من مظاهر الشلل التي أصابته. وبكيفية موازية، يجب العمل على تحرير العقول من المغالطات، بتصحيح المفاهيم، حتى يسهل علاج الخلل في التفكير والإتجاه... وتحقيق هذا الإختيار يتطلب منا شجاعة للقيام بعملية جراحية جماعية للخروج من الوضع التاريخي الفاسد الذي وضع فيه مغرب اليوم، ونتزاوج الطريق المسدود...

 

إن الإشكالية العويصة التي تواجه الشعب المغربي برمته، تتركب من عدة معضلات متكاملة، لا بد من وضع سلم لأسبقيتها. ففي تقديري، فإن الحل الحقيقي يكمن في تحرير الإنسان المغربي أولا ليحس بمسؤولياته ويفكر بنفسه في إيجاد الحلول المناسبة للقضايا التي يتخبط فيها يوميا، بدلا من أن يبقى مسلوب الإرادة والطموح، ينتظر من السلطات أن تعلن عن حلول سهلة وجاهزة، يجهل مصدرها والغايات التي تخدمها...

 

إن سلوك هذا النهج السلبي، لمدة نصف قرن عطل ولا شك بالمرة ذكاء الشعب المغربي، وعزل حوله كل المحفزات القادرة على تحريك ذكائه النفسي والوطني والموضوعي... وبكل تأكيد، فإن السياسات السابقة المطبوعة بالفردية، والإرتجالية، والترقيعية وضعت الإنسان المغربي، تحت حصار، جمد إمكانياته الفكرية والمادية، جعلته مجرد متفرج يتلقى التوجيهات بدلا من أن يكون هو المبادر والمساهم في صنعها...
والزاوية الثانية لهذه الإشكالية العويصة تقتضي أن تجعل الدولة حدا عاجلا لسياسة القروض المشروطة والغير مشروطة، والتي دشنها المغرب منذ 1955 ومازالت مسترسلة إلى غاية 2014 وما بعدها... إعتقادا منا أن القروض مهما تنوع مصدرها، وارتفع حجمها، فإنها لم ولن تحل المشاكل المطروحة، مهما تدفقت ، قبل تحرير الإنسان المغربي نفسه ليصبح  منتجا ومبدعا ومبادرا ...

 

أما إستمرار تدفق القروض الأجنبية في ظل الشروط الجاري بها العمل، فإنها على رهن أجيال المغرب، ومستقبل المغرب، وإنطلاقته التحررية لقرون وقرون.... وهذا بالضيط ما ما يجب علينا أن نتجنب أن يقع المغرب فيه وفي مضاعفاته الخطيرة

 

عبد الغني برادة








 
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم

اضغط هنـا للكتابة بالعربية

                                             المرجو الالتزام باخلاقيات الحوار، أي تعبيرات قدحية ستسحب

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أضف تعليقك على الخبر
* كاتب التعليق
* عنوان التعليق
  * الدولة
* التعليق
  * كود التحقق



فضيحة مالية تلاحق ثلاثة نشطاء من العدل و الإحسان بإسبانيا

الحقاوي: الموظفات لا تتوفر فيهن شروط المناصب السامية

يوم حزين بتارودانت إثرَ الحريق الذي أتى على جامعها الكبير

تركيا:العفو الدولية تطالب بوقف العنف ضد المحتجين

تقرير بنك المغرب: تباطؤ في الاستهلاك لدى الأسر و تراجع في النمو خلال سنة 2012

الرجاء و الماص أكبر الخاسرين في الدورة 25 من البطولة

كيف نقيس تقدم أمة؟.كوريا معجزة شرق أسيا نموذجا ؟

هيئة حقوقية تطالب بالإسراع بإنشاء "الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب"

إحتقان غير مسبوق بوكالة المغرب العربي للأنباء و الصحافيون يحملون الشارة يوم الاثنين

صحافيو "لاماب" يحملون الشارة الحمراء في وجه الهاشمي

كيف نقيس تقدم أمة؟.كوريا معجزة شرق أسيا نموذجا ؟





 
النشرة البريدية

 
القائمة الرئيسية
 

» الرئيسية

 
 

»  صوت وصورة

 
 

»  كاريكاتير و صورة

 
 

»  استطلاع رأي

 
 

»  اخبار

 
 

»  سياسة

 
 

»  مجتمع

 
 

»  اقتصاد

 
 

»  ثقافة و فنون

 
 

»  زووم سبور

 
 

»  جهات و اقاليم

 
 

»  من هنا و هناك

 
 

»   في الذاكرة

 
 

»  كتاب الرأي

 
 

»  تحقيقات

 
 

»  حوارات

 
 

»  أسماء في الاخبار

 
 

»  كلمة لابد منها

 
 

»  بورتريه

 
 

»  أجندة

 
 

»  كواليس زووم بريس

 
 

»  الصحراء اليوم

 
 

»  مغارب

 
 

»  مغاربة العالم

 
 

»  المغرب إفريقيا

 
 
أدسنس
 
سياسة

اللجنة التحضيرية لمؤتمر حزب الاستقلال تبدأ على إيقاع الصفع

 
استطلاع رأي
كيف تجد النشرات الاخبارية في القناة الثانية

هزيلة
متوسطة
لابأس بها
جيدة


 
اخبار

شركة “تاتا” تكشف عن المدرعة العسكرية المقرر تصنيعها في المغرب

 
ترتيبنا بأليكسا
 
جريدتنا بالفايس بوك
 
مجتمع

مطالب بتشديد العقوبات على مستغلي الاطفال والنساء في التسول

 
اقتصاد

صناعة الطيران.. مجموعة “Aciturri” تفتتح موقع إنتاج في “ميدبارك”

 
البحث بالموقع
 
أجندة

شبكة المقاهي الثقافية تنظم ملتقاها الجهوي بسيدي قاسم

 
في الذاكرة

في رحيل الدكتور عبد المجيد بوزوبع

 
حوارات

العنصر يحمل العثماني مسؤولة التأخير في تحويل الاختصاصات المركزية إلى الجهات وتفعيل برامج التنمية الجهوية

 
زووم سبور

كأس الكاف: القرعة تضع نهضة بركان في مواجهة أبو سليم الليبي

 
مغاربة العالم

إجلاء 289 مغربيا من قطاع غزة

 
الصحراء اليوم

بيدرو سانشيز يجدد التأكيد على موقف إسبانيا الداعم لمغربية الصحراء

 

   للنشر في الموقع 

[email protected] 

اتصل بنا 

[email protected]

   تـنــويه   

الموقع لا يتحمل مسؤولية تعليقات الزوار

فريق العمل 

مدير الموقع و رئيس التحرير: محمد الحمراوي

   المحررون: حميد السماحي، سعاد العيساوي، محمد المدني

ملف الصحافة : 017/3  ص ح  - طبقا لمفتضيات قانون الصحافة و النشر 10 اغسطس 2017

 


  انضمو لنا بالفايس بوك  شركة وصلة  سكريبت اخبار بريس

*جميع المقالات والمواضيع المنشورة في الموقع تعبر عن رأي أصحابها وليس للموقع أي مسؤولية إعلامية أو أدبية أو قانونية