رياح عطرة من المغرب
فهمي هويدي
ما توقعناه أو تمنيناه من المشرق جاءنا من المغرب. ذلك ان أربعة من كبار المحامين المغاربة قدموا بلاغا إلى النائب العام في الرباط. طالبوا فيه بمحاكمة القائد العسكري للمنطقة الجنوبية في إسرائيل، الذي قاد «لواء جولاني» وتولى الانقضاض على قطاع غزة على الجرائم التي ارتكبها جنوده بأمر منه منذ الثامن من شهر يوليو الماضي. استند البلاغ إلى أن القائد العسكري المذكور (المجرم المشتكى به كما ورد في النص)، اسمه سامي الترجمان، مغربي الجنسية، ولد في مراكش في 11 يوليو 1964. وقد غادرت عائلته إلى فلسطين في عام 1965، وهو في شهره السادس، والتحق بالجيش في عام 1982 وتدرج في المناصب العسكرية حتى أصبح قائدا للقوات البرية. وبهذه الصفة شارك في العدوان على لبنان عام 2006. وفي وضعه الراهن كقائد عسكري مسؤول عن تنفيذ مخططات الحرب في غزة، فإنه أمر بارتكاب جرائم لا تعد ولا تحصى، الأمر الذي يستوجب مثوله أمام القضاء ومحاكمته هو ومن عاونه في مهمته.
استند المحامون الأربعة إلى نص الدستور المغربي الذي يعتبر أن جنسية المغربي لا تسقط تحت أي ظرف، حتى إذا تجنس بجنسية أخرى، وباعتبار سامي الترجمان مغربيا في نظر القانون المغربي، فإنه يتعين خضوعه لأحكام القانون الجنائي المغربي الذي ينص على أن: كل فعل له صفة جناية (أو جنحة) في نظر القانون المغربي ارتكب خارج المملكة المغربية من طرف مغربي يمكن المتابعة من أجله والحكم فيه بالمغرب. وهذا المعنى أكدته نصوص القانون الجنائي في أكثر من موضع، الأمر الذي يعني ان كل جريمة ارتكبها مغربي خارج البلاد ينبغي أن يعاقب عليها كأنما ارتكبها داخل المغرب. ولأن النصوص واضحة في ذلك، وما قررته يعد قاعدة أساسية لا تسمح بأي استثناء فإنه «يتعين الأخذ بالاختصاص الوطني المغربي في البحث والمتابعة والحكم ضد المشتكى به».
المحامون المغاربة أربعة. بينهم ثلاثة من النقباء السابقين هم الأساتذة: عبدالرحيم بن بركة وعبدالرحيم الجامعي وعبدالرحمن بنعمرو، والرابع هو الأستاذ خالد السفياني. وقد أوردوا في دعواهم قائمة بالوقائع والجرائم التي تتابعت في غزة منذ بداية العدوان في الثامن من يوليو الماضي. وخلصوا منها إلى أن «المشتكى به» سامي الترجمان بصفته رئيسا للفرقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي المكلف بإدارة وتنفيذ العدوان، يعتبر المسؤول المباشر عن كافة الجرائم التي حلت بالقطاع، وقسموا تلك الجرائم إلى نوعين. بعضها يعاقب عليها القانون الوطني والبعض الآخر يعاقب عليها القانون الدولي الإنساني. تدخل ضمن الجرائم الأولى ما يلي: تكون عصابة إجرامية والتعاون مع مجرمين لارتكاب جنايات ضد أشخاص ــ القيام بأعمال إرهابية استهدفت الاعتداء على حياة المدنيين ــ القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ــ ارتكاب العنف عمدا ضد الأطفال ــ إتلاف منشآت خاصة بالملاحة الجوية والبرية وتخريب وسائل الاتصال ــ إضرام النار عمدا في محلات مسكونة ومعدة للسكنى ــ التخريب والاتلاف بواسطة مواد متفجرة...إلخ.
الجرائم الأخرى التي يعاقب عليها القانون الدولى والإنساني في مقدمتها ما يلي: الإبادة الجماعية التي تستهدف قتل أعضاء من الجماعة السكانية ــ جرائم ضد الإنسانية تمثلت في القتل والتخريب ومهاجمة المدنيين في المدن والقرى ــ المعاملة القاسية واللإنسانية وإهدار مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعلى رأسها الحق في الحياة ــ انتهاك اتفاقية حقوق الطفل التي صدقت عليها الأمم المتحدة...إلخ.
لم يوجه الاتهام إلى سامي الترجمان وحده، ولكن البلاغ أدرج ضمن المشكو في حقه قائمة من الشركاء في الجرائم التي ارتكبت. ضمت القائمة رئيس ووزراء حكومة الاحتلال ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية والعدل والأمن الداخلى إضافة إلى رئيس الأركان الإسرائيلي ورئيس الشاباك وغيرهم ممن يقود البحث إلى تحديد مشاركتهم ومسئوليتهم.
طلب البلاغ من المدعي العام اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للتحقيق والتتبع ضد المشتكى به وشركائه. كما طلب نشر برقية اعتقال ضد سامي الترجمان والمشاركين معه وتكليف الإنتربول بالتدخل لمساعدة العدالة المغربية في ضبطهم. كذلك طلب البلاغ التنسيق مع الشرطة الجنائية الدولية لترصد المشكو بحقهم ووضعهم تحت التنصت الهاتفي، كما دعا إلى التنسيق مع السلطات القضائية الفلسطينية للحصول على المعلومات اللازمة الخاصة بالعدوان وإفادات ضحاياه.
ما رأى جهابذة المحامين في مصر. وهل لدى نقابتهم شيء يمكن تقديمه أو صوت تضامن يبيض الوجه يمكن أن نسمعه في الموضوع؟
ملحوظة: كنت قد دعوت في مقالة الثلاثاء الماضي (5/8) إلى الانتباه لأهمية تسجيل وتوثيق جرائم العدوان الإسرائيلى وهي طازجة الآن، تمهيدا لمحاسبة المسؤولين عنه. وتلقيت بعد يومين رسالة من غزة أفادت أن فريقا ضم 20 من شباب الباحثين الفلسطينيين الذين تم تدريبهم بدأ عملية التوثيق بالفعل، وأعد ملفا خاصا لأحداث وضحايا كل محافظة. لا يزال العمل جاريا لاستيفاء معلوماته.