لا شك أن العمل الجمعوي التطوعي عمل إنساني نبيل يحمل في طياته معاني سامية كنكران الذات وبدل الغالي والنفيس من أجل تحقيق أهداف تنموية صرفة تعود بالنفع على الفئات المستهدفة. لكن عندما يتحول إلى الدجاجة التي تبيض ذهبا أو بالأحرى عندما يتخذ البعض ملفات حساسة وهلم جرا بابا للتسول والاغتناء السريع، أنذاك وجب أن نقف وقفة تأمل حازمة ونطرح أسئلة جريئة على الذات المجتمعية لتقيم ما أآلت إليه منظومتنا الأخلاقية. في السياق نفسه وجب التذكير أن أكثر الأمور إساءة و تنفيرا من العمل الجمعوي التطوعي هو تعمد القائمين عليه استغلاله فيما هو سياسي، مما يطرح لبسا لدى مغاربة العالم وتساؤلا بديهيا عن مدى مصداقيته ونبل أهدافه.
يحتل العمل الجمعوي موقعا أساسيا ضمن مساحة اهتمام مغاربة العالم، ويعتبر عملا جماهيريا، يساهم في تغذية الصراع الاجتماعي في أبعاده الثقافية والإيديولوجية إضافة إلى كونه مجالا لتأطير مغاربة العالم تأطيرا جيدا يسهل عليهم امتلاك الوعي بدواتهم ، فالعمل الجمعوي في بلدان الاقامة جزء لا يتجزأ من مكونات هاجس التغيير بحيث يساهم في تنمية الأفكار والتوعية الفكرية ويؤكد على أن الجمعيات هي اتفاق لتحقيق تعاون مشترك بين شخصين أو ثلاث أشخاص لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم لغاية غير توزيع الأرباح فيما بينهم، حيث أصبحت تشكل أحد الفاعلين الحيويين في الحقل التنموي والاجتماعي والاقتصادي ، لكن عندما نصوغ هذه المكون في واقع مغاربة العالم نرى عكس ما نقول .
إن خطورة ظاهرة الفساد الجمعوي في دول اقامتهم تحولت إلى شبكة تجارية في مجتمعنا تضرب في صميم القيم النبيلة والأصيلة للعمل الجمعوي ، عن طريق الإطارات الجمعوية التي لا تعرف الممارسات الديمقراطية حيث الجمعيات العائلية التي لا تضم إلا أفراد الأسرة في الأجهزة المسيرة، وجمعيات يخلد فيها الرئيس لعقود، وجمعيات لا يعرفها ولم يعرفها الرأي العام والمهتمون إلا باسم رئيس واحد ، وجمعيات أسست على الأوراق فقط ، هناك من يتاجر في مضمون كل مجالات الدعم التي تقدمها الدولة ومؤسساتها ، بالإضافة إلى ذلك ، يهدف بعض المفسدين من خلال تكوين جمعية قصد تغذية سيرته الذاتية فقط ، و هؤلاء تجدهم حريصين على ترؤس الجمعية و الظهور في الواجهة الأمامية ، قصد الولوج إلى الوظائف و مراكز المسؤولية ، و هناك من ينخرط في الجمعيات بحثا عن إقامة العلاقات الحميمية مع الجنس الآخر ، ونجد أيضا رئيس جمعية رياضية رئيسا لجمعية المسرح ، ونائب رئيس جمعية كذا .. مستشارا في جمعية ما ، وقد نجد إطارات جمعوية لا تعرف الممارسات الديمقراطية حيث تحولت بعض الجمعيات خاصة ذات الطابع الفني والثقافي ، إلى جمعيات منغلقة تمارس منهج الإقصاء في وجه الطاقات الإبداعية والفنية ، ونجد جمعيات تحمل أهداف تنموية ، لكن عن أي تنمية يتحدثون هل تنمية مناطق المغرب العميق أم تنمية الحساب البنكي ، ونجد جمعيات تعمل على تنفيذ أجندة لحزب سياسي ما حيت ثم الخلط بين العمل الجمعوي و العمل السياسي ، وهناك جمعيات تنتظر إعلانا عن منحة جهة ما قصد الاسترزاق من الجهات المانحة وكثيرة هي من هذا المثال ، وهناك جمعيات تستغل براءة الشباب لتحقيق أهدافها السرية ، وهناك جمعيات تشتغل عكس ما جاء في قانونها الأساسي وأخرى جمعيات تنظم أنشطة همها الوحيد وجبة الغذاء - والأمثلة كثيرة - إن كانت هذه التجليات تساهم في تطور أزمة العمل الجمعوي لمغاربة العالم.
إن الواقع المزري للعمل الجمعوي لمغاربة العالم يفرض على كل المسؤولين وكل الجمعويين الحقيقيين رد الاعتبار لهذا القطاع .
تبعا لما سبق يتبين أن السبل الكفيلة للحد من هذا الفساد المستشري، تبقى جد محدودة في ظل غياب إرادة حقيقية واستراتيجية فعالة من لدن الدولة بمختلف ألوانها للمراقبة والتتبع. ومع ذلك يبقى من الممكن رفع تحدي تغير الوضع بتضافر جهود المجتمع المدني أولا من أجل تثبيت وتكريس أخلاقيات العمل الجمعوي الجاد بما يضمن عدم تسخير هذه الأخلاق كستار لإخفاء مظاهر الاستغلال والتدليس والوصولية وحتى لا تتحول مالية بعض الجمعيات إلى أرصدة بنكية شخصية تصرف بدون حسيب ولا رقيب، وحتى لا يتحول العمل الجمعوي إلى وسيلة اقتناص الامتيازات الشخصية كالمناصب واستثمار العلاقات مع دوائر النفوذ والترويج للحملات الانتخابية السابقة لأوانها. وثانيا عبر فضح بعض الممارسات المشينة لبعض الفاعلين الجمعويين في أفق الافتحاص المحاسباتي و ثالثا من خلال دعم الناس الشرفاء و التعريف بالمبادرات الجمعوية الهادفة.
إن جعل العمل الجمعوي ذا معنى حقيقي يستلزم تمثل الديمقراطية فكرا وممارسة، بمعنى آخر التجرد من الذاتية والتناغم مع المصلحة العامة.
جمال الدين ريان