في ظل غياب كاسح لأعضاء مجلس المستشارين تم الأربعاء ولأول مرة في جلسة عمومية مناقشة تقرير وطني وضعه المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب، والذي سبق وعرضه ادريس اليزمي أمام مجلسي البرلمان قبل سنة، أي خلال شهر يونيو 2014، إذ لم يحضر عند افتتاح الجلسة إلا 17 مستشارا ، ليرتفع العدد إلى 21 عضوا خلال انتصفت المدة المخصصة للمناقشة لتختتم الجلسة بحضور تسعة مستشارين وهو عدد يوازي أعضاء الحكومة الذي شاركوا في الجلسة لتقديم أجوبتهم على الملاحظات المقدمة بشأن قضايا تخص قطاعاتهم.
وأكد محمد الشيخ بيد الله رئيس مجلس المستشارين ، الذي انتظر أكثر من عشرة دقائق ليعلن عن افتتاح الجلسة العمومية المخصصة لمناقشة تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان برسم سنة 2014، على أن الأمر يتعلق بأول نقاش من نوعه يهم تقريرا حول أوضاع حقوق الإنسان صادر عن مؤسسة وطنية دستورية، وأن الجلسة تنعقد طبقا لمقتضيات الفصل 160 من الدستور.
وكشف الشرقي الضريس الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية ،والذي عرضا قدم فيه ردودا على الملاحظات التي تضمنها تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حيث ركز على مسألة تدبير التجمعات العمومية والتي يثار بشأنها الكثير من الجدل وتتلقى السلطات العمومية انتقادات واسعة خاصة من قبل المنظمات والفاعلين الحقوقيين ، عن بعض من ملامح الحكامة الأمنية التي شرعت الوزارة في تنزيلها من خلال إصدار مذكرات وجهت للقوات العمومية المكلفة بحفظ الأمن ، وذلك في إطار الوقاية من الاستعمال غير المتناسب للقوة.
وأوضح أن هذه المذكرات توجب تدعيم إجراءات الوقاية من الاستعمال المفرط للقوة، وذلك عبر السهر على حماية الحقوق والحريات الفردية والجماعية، وتفادي أي مساس بالضمانات المكفولة قانونا مع التقيد بالعديد من التوجيهات التي تتحدد أبرزها
في خمسة عناصر، تتمثل في الحرص على أن تكون التدخلات الأمنية الرامية لحفظ الأمن والنظام بالشارع العام منسجمة مع المقتضيات القانونية، ومتناسبة مع الأفعال والجرائم المرتكبة، بشكل يسمح بالتوفيق بين حق الدولة في تطبيق القانون وحفظ النظام العام من جهة، وبين حق الأفراد في التمتع بالحقوق والحريات من جهة أخرى، وكذا السهر على التوفيق بين تناسب القوة مع الفعل التظاهري الموجب للتدخل الأمني، وفقا للقوانين ذات الصلة، بشكل يساهم في تنزيل البعد الإجرائي للحكامة الأمنية عن طريق ضبط النفس وعدم اللجوء إلى القوة إلا كوسيلة أخيرة من أجل الحفاظ على النظام العام.
كما تشمل التوجيهات العمل في اتجاه القطع النهائي مع بعض التجاوزات الفردية التي تسيء بشكل مجاني لصورة القوات العمومية المكلفة بحفظ النظام، من قبيل رشق المتجمهرين بالحجارة، أو استخدام القوة في حق أحد المتجمهرين بعد توقيفه ، والامتناع عن استعمال عبارات ذميمة أو تحقيرية أو ألفاظ تنطوي على التمييز في حق أي يشخص، أو معاملته معاملة مهينة أو حاطة بالكرامة، مهما كانت الأفعال الإجرامية المنسوبة إليه، فضلا عن التحلي بضبط النفس، وتفادي الانسياق وراء الاستفزازات الرامية إلى دفع عناصر الأمن لارتكاب أفعال لا إدارية، والتي قد تستغل في حملات دعائية مغرضة للنيل من المكتسبات الحقوقية التي راكمها المغرب في مجال احترام حقوق الإنسان.
ولم يفت المسؤول الحكومي أن يؤكد في ذات الوقت على أن الحرص على ضمان ممارسة كل الحريات الفردية والجماعية دون قيود أو شروط، لا يوازيه إلا واجب المحافظة على الأمن والاستقرار، مبرزا أن حفظ الأمن العام، مسؤولية جميع المواطنين على اختلاف مشاربهم، وذلك درءا للفوضى و عدم الاستقرار، مبرزا تأكيده على أن الحفاظ على النظام العام وممارسة الحريات العامة يعتبران ركيزتين أساسيين لا غنى للديمقراطية عنهما، ومن ثم فلابد لها من التوفيق بينهما.
ومن جانبه ،حرص مصطفى الرميد وزير العدل والحريات على التركيز على القضايا الشائكة والتي تثير الكثير من الجدل داخل المجتمع ولدى الرأي العام الحقوقي الوطني والدولي من باب عقوبة الإعدام والتعذيب ، ومسألة الحرص على إعمال المقاربة الحقوقية ،فيما يتعلق بعقوبة الإعدام استعمل المسؤول الحكومي خاطبا استغرب فيه بشكل ضمني تضمين التقرير ملاحظة بشأن عدم إلغاء عقوبة الإعدام ، بل وتأكيد ذات الملاحظة من قبل بعض المستشارين، على اعتبار، على حد قوله، لم تمر سوى سنة على المصادقة بالإجماع على قانون العدل العسكري الذي يتضمن خمس حالات يقضي فيها القضاء بالإعدام.
ووجه في هذا الصدد انتقادا حادا لأعضاء المؤسسة التشريعية الذين يطالبونه بإلغاء الإعدام بالقول" لاأفهم أن برلمانيين في المجلس صوتوا بالإجماع على مشروع العدل العسكري الذي يتضمن عقوبة الإعدام، ولم يطوروا آنذاك قناعاتهم ويطالبون أن أغير قناعتي الآن ،القناعات إذا تختلف من قانون لقانون، استطرد الوزير ،الذي كان بذلك يريد أن يحقق ضربة قاضية للداعين لإلغاء الإعدام والدفع بإقناعهم بمنهج التدرج الذي يسير عليه المغرب في هذا الموضوع ، مشيرا أن إصلاح التشريع الجنائي الجاري حاليا تم فيه التقليص من الحالات التي يقضي فيها القضاء بعقوبة الإعدام "، ذالك أن الإبقاء على الإعدام تم بالتوازي مع الحرص على ضمان المحاكمة العادلة .
وفيما يتعلق بمسألة التعذيب، أكد أن وزارته تبذل جهودا إضافية لمناهضة التعذيب، حيث وجه منشورا إلى الوكلاء العامين ووكلاء الملك بتاريخ 29 مايو 2014 من أجل التطبيق السليم لأحكام الدستور والقانون بما يحفظ حقوق وحريات الأشخاص المودعين تحت الحراسة النظرية، والعمل كلما عاينوا عليهم أثار أو علامات عنف بادية، على القيام بإجراء معاينة للآثار أو الأعراض التي بدت عليهم في محضر قانوني، والأمر بإجراء فحص طبي يوكل أمر تنفيذه إلى أطباء محايدين ومتخصصين، وتقديم ملتمسات إيجابية بشأن طلبات إجراء الفحوص الطبية التي تقدم أمام قضاة التحقيق أو هيئات الحكم.
وأفاد أن عدد المتابعات المتعلقة بشطط الموظفين في استعمال سلطتهم إزاء الأفراد، بلغ السنة الماضية (2014) إلى 5 أفراد من رجال الدرك والأمن والسلطة.
وليبرز المسار التصاعدي للارتقاء بحقوق الإنسان بالمغرب أشار إلى دخول حيز التنفيذ لقانون العدل العسكري منذ فاتح يولويز الجاري، واصفا إياه بالنص التشريعي الذي شكلت أحكامه طفرة حقوقية نوعية تنضاف إلى الإصلاحات الحقوقية الكبرى التي شهدها المغرب في السنوات الأخيرة، بل ولكونه يعكس إرادة المملكة في تكريس دولة الحق والقانون والتنزيل الفعلي لمضامين الدستور والالتزام بمبادئ المحاكمة العادلة ..
كما شدد الوزير على أن الحكومة تولي أهمية استراتيجية للارتقاء بمسار حقوق الإنسان ، حيث تعمل من أجل إدماج مقاربة حقوق الإنسان في السياسات العمومية ومن تم تكريس مسار حقوق الإنسان الذي خطا فيه المغرب خطوات متقدمة، محاولا عبر ما استعرضه من برامج على التجاوب السريع والفعال مع تضمنه التقرير الصادر عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان والشكايات الصادرة عنه وعن لجانه الجهوية .
أما وزير الصحة الحسين الوردي فقد أكد على التجاوب السريع للوزارة مع ما تضمنه تقرير المجلس الوطني بشأن الصحة العقلية والنفسية ، وهو ما تترجمه الاستراتيجية الخاصة بالتكفل بالأمراض النفسية والعقلية ، والتي تم تقديمها أمام جلالة الملك، ودخلت حيز التنفيذ عبر مبادرة عملية "كرامة" الخاص بضريح بويا عمر بنواحي مراكش والذي كان يحتجز فيه المئات من المختلين عقليا ،وإحداث أقسام داخل المؤسسات الاستشفائية لمعالجة الأشخاص المصابين ، بل و توفير والرفع من عدد الأسرة و توظيف 34 طبيب مختص و122 ممرض ، كما تم تخصيص أكثر من 2 في المائة لشراء الأدوية .
وأبرز أن الوزارة عازمة على مواصلة العمل في هذا الاتجاه ومعالجة الأوضاع المزرية والكارثية التي كان رصدها تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان بخصوص المؤسسات المختصة بالأمراض النفسية والعقلية ، ونزلائها.
ومن جهته ، حرص وزير التشغيل عبد السلام الصديقي، على توضيح أبعاد إخراج القانون الخاص بالعمال المنزليون وتحديد السن الأدنى للتشغيل في 16 سنة،والذي كان قد صوت عليه مجلس المستشارين ومازال قيد الدرس لدى مجلس النواب، مبرزا أن وضع استغلال هذه الفئة كان يتطلب إقرار مثل هذا القانون، على أن تحديد السن الأدنى للعمال المنزليين في 16 سنة، والذي يجيز بذلك تشغيل الأطفال القاصرين ،هو مقتضى لايخرج عن ما تتضمنه المواثيق الدولية الخاصة بالشغل حيث تحدد السن فيما بين 16 و18 عاما وتضع فقط شرط عدم تشغيل القاصرين في أعمال شاقة وفيها ضرر بصحة القاصر.
وأعلن أنه رغم التوصيات التي تضمنتها تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان بضرورة تحديد السن الأدنى للاستخدام أو العمل في المنزل في 18 سنة،فإن وزارته كانت قد أحالت هذا النص القانوني على منظمة العمل الدولية وحظي بالإشادة من قبلها.
واعتبر محمد مبدع الوزيرالمكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة،الذي تناول في رده الجانب المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، والذي تشرف وزارته على اللجنة المكلفة بإعداد نصه القانوني، أن هذا القانون تمت فيه مراعاة المبادئ والمعايير التي تأخذ بعين الاعتبار البعد الدولي لحق الحصول على المعلومة.
وأشارفي هذا الصدد إلى ست مبادئ تم أخذها بعين الاعتبار ويتعلق الأمر بمبدأ كشف الحد الأقصى من المعلومات ، ومبدأ النشر الاستباقي للمعلومات، ووضع استثناءات واضحة ودقيقة ومحدودة، تهم الدفاع الوطني وأمن الدولة الداخلي والخارجي ، والمعلومات المتعلقة بالحريات والحقوق الأساسية المكفولة دستوريا.
هذا بالإضافة إلى مجانية الحصول على المعلومات، ومسطرة سهلة ومبسطة للحصول على المعلومات وتخويل ضمانات قانونية لطالب المعلومات.
ويشار إلى أن ردود أعضاء مجلس المستشارين وتعليقاتهم على ما تضمنه تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ثمنت جميعها الدور الذي يقوم به المجلس الوطني لحقوق الإنسان والذي بات مؤسسة وطنية منصوص عليه في الدستور، ومكسبا يلعب أدورا طلائعية وطنيا ودوليا ، كما أن تلك الردود اتجهت في أغلبها إلى جانب مدى تفاعل الحكومة مع ما تضمنه من توصيات وملاحظات، مؤكدين في هذا الصدد على ضرورة التعجيل بتنفيذ مجمل تلك التوصيات سواء التي تخص تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة والتي تهم الجانب التشريعي وإلغاء عقوبة الإعدام ، وجبر الضرر الفردي لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وإدماجهم الاجتماعي .
هذا فضلا عن التوصيات التي تهم مسألة المساواة والمناصفة، ووضع قانون إطار لمحاربة العنف ضد النساء، وتمكين الفئات الهشة من حقوقهم خاصةالأشخاص في وضعية إعاقة والمهاجرون واللاجئون ، والحق في تكوين الجمعيات، والتجمعات العمومية. والاحتجاج السلمي، والاتجار بالبشر، والوقاية من التعذيب، والحق في الصحة والتعليم والسكن والتشغيل والحقوق الثقافية، وغيرها من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
فنن العفاني