كشف بدر عبد الحفيظ عفيف، ممثل المفتشية العامة للإدارة الترابية بوزارة الداخلية، عن أهم مظاهر الفساد بالجماعات الترابية التي وقفت عليها لجان التفتيش ، ويتعلق الأمر بمجال الصفقات العمومية ، والتغاضي عن استخلاص رسوم جبائية مفروضة بحكم القانون، واستغلال النفوذ المتعلق بالمعرفة المسبقة للمعلومات .
وأوضح بدر عبد الحفيظ في عرض ألقاه خلال ندوة نظمتها جمعية ترنسبرانسي المغرب، مساء الخميس بالرباط، حول "دور الأجهزة الرقابية في تدعيم الحكامة ومحاربة الرشوة"،أن الفساد المسجل على مستوى الجماعات يتعلق بمجال الصفقات العمومية حيث لايسجل عدم التقيد بالنصوص القانونية الخاصة بشروط إنجاز الصفقات ، ويتم الأداء على أشغال غير منجزة كليا أو جزئيا، مضيفا بالنسبة للشق المحاسبي وقفت لجان التفتيش على مخالفات تخص إعفاءات غير قانونية لملزمين بأداء الرسوم عن عمليات البناء .
وربط المسؤول الوزاري،القيام بهذه الإعفاءات بأنها نوع من المحاباة السياسية التي يلجأ لها رئيس الجماعة، قائلا"لا أريد أن أدخل في نقاش سياسي، ولكن في بعض الأحيان نقف على اختلالات تتعلق بمحاباة سياسية حيث رغبة منه في الحفاظ على هيئته الناخبة يعمد رئيس مجلس معين إلى التغاضي عن استخلاص الرسوم التي يوجبها القانون ، وهو مما ينعكس بالسلب على صندوق الجبايات للجماعة.
وأبرز أن هذا التغاضي يشمل أيضا عدم التقيد بالرسم المفروض على أشغال التجهيز والتهاون في استخلاص الرسوم والجبايات الأمر الذي يؤدي إلى تقادمها.
هذا و اعتبر أن أخطر أنواع الفساد داخل الجماعات الترابية يتمثل في استغلال النفوذ المتعلق بالمعرفة المسبقة للمعلومة التي يتم تسريبها ، "وهو خرق يصعب على المشرع تأطيره ، وهذا الخرق يؤدي بشكل كبير إلى فساد غير محدود ،إذ مجرد المعرفة المسبقة بالمعلومة وتسريبها مثلا إلى جهات معينة كأن يتم تسريب تصميم التهيئة ، والذي يفيد أن أرضا فلاحية ستتحول في أجل قريب إلى أرض مجهزة ، فيتم استغلال ذلك ويتم حث صاحبها الذي يعلم بالأمر على بيعها وهو ما يتم بأثمنة بخسة، ليتم عند خروج تصميم التهيئة للوجود بيعها بأثمنة باهظة ، وهو ما يعد ريع عقاري"، حسب المتحدث.
وأكد عفيف أن جرائم الفساد من الصعب التصدي لها لأنها تكون ذات طابع مستتر و من تم يصعب الكشف عنها، من مثل الرشوة التي تبقى الحالات المعلن عنها لكونه قدم بشأنها شكاوى جزءا يسيرا من المخالفات الممارسة فعليا، وكذا تسريب المعلومة التي يصعب إثباتها "، مضيفا أن وزارة الداخلية في إطار استباقي واحترازي ضد ممارسة الفساد ، شرعت في تنظيم دورات تدريبية لمساعدة الجماعات على القيام بمهامها ، وتكوين حول الوقاية من الرشوة.
وأشار موضحا بشكل دقيق مهام المفتشية العامة لوزارة الداخلية، أنها تتمثل اساسا في رصد الأعمال ومدى انضباطها للقوانين الجاري بها العمل، أما تكييف تلك الأعمال واعتبارها جرائم فيبقى من مهام النيابة العامة والقضاء.
واعتبر أن المفتشية العامة بالرغم من انها تتبع إداريا للوزير فهي تتمتع بالاستقلالية ، حيث أن اللجان المكلفة بالمهمة هي المسؤولة عن التقارير التي تنجزها حيث تحمل توقيع المفتش لاغير ، والتي ترسل للمعني بها في إطار حق الدفاع للإجابة عما تضمنته من ملاحظات، وهذه التقارير يمكن الطعن فيها .
ولم يفت المتحدث الإقرار أن أعمال التفتيش تواجهها العديد من العوائق، على اعتبار أن مجالات المراقبة متعددة لكن الموراد البشرية رغم كفاءتها العالية إلا أنها تبقى محدودة، فضلا عن غياب التنسيق في البرامج بين مختلف أجهزة الرقابة ، ويعني المتحدث هنا أساسا ، المفتشية العامة للإدارة الترابية ومفتشية وزارة المالية .
و أفاد من جانب آخر أن مهام التفتيش تقوم بها لجان مختصة حسب موضوع المهمة ، حيث تقوم وزارة الداخلية بتكوينها، " فإذا كان الأمر يتعلق بالصفقات العمومية تكلف أطر مختصة للقيام بالمهمة ، أما إذا كان الأمر يتعلق بالتعمير فيتم اختيار فريق من مفتشين متخصصين حسب المهمة ، وأبرز بخصوص
منهجية التدخل التي تعتمدها المفتشية العامة للإدارة الترابية لممارسة اختصاصاتها ، أنها تتم وفق برنامج يوضع سنويا بشكل يراعي نوعا من العدالة التوزيعية بين مختلف مكونات المجتمع المغربي والسياسي .
وقال بهذا الخصوص"إن البرنامج تنصهر في بوثقته مختلف الطلبات المقدمة للمفتشية بإجراء تفتيش والتي يكون مصدرها المنتخبون أو وسيط المملكة ومختلف هيئات الحكامة بما فيها الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة والمجلس الوطني لحقوق الإنسان ، وغيره ،وكذا المجتمع المدني، والشكايات المقدمة مباشرة إلى وزارة الداخلية عبر المفتشية العامة للإدارة الترابية فضلا عن ما تضمنته المقالات الصحفية وطلبات يتقدم بها الولاة والعمال .."
وأردف أن المفتشية تتركا حيزا لبرنامج استعجالي يخصص لطلب يصدر عن وزير الداخلية إذا وقعت حالة طارئة تستوجب تدخل المفتشية وبرمجة مهمة من المهمات.
ومن جانبها أكدت ،منى المتوكل ،ممثلة المفتشية العامة لوزارة الاقتصاد والمالية، أعلى الدور الذي تقوم به المفتشية العامة ، مشددة على أن المفتشية تتبع إداريا لسلطة الوزير لكن التقارير التي تنجز يكون موضوعية ودقيقة لأن المفتش يتحمل فيها مسؤولية شخصية لأنه يوقعها باسمه.
و في ردها على بعض الانتقادات بشأن احتفاظ الوزارة بهذه التقارير وعدم نشرها،أوضحت ممثلة المفتشية العامة لوزارة المالية، أن تلك التقاير يمكن تسليمها لفرق تقصي الحقائق البرلمانية إذا تم طلبها، مبرزة أن مهام التفتيش التي تقوم بها المفتشية تشمل مساحة شاسعة للتدخل ، وقد قامت بمهام طالت مجالات متعددة بما فيها افتحاص المشاريع الكبرى كمخطط المغرب الازرق...
وأعلنت المتحدثة أن المفتشية من أجل تسهيل قراءة التقارير التي تعدها فهي تربطها علاقات تبادل وتعاون وثيق مع السلطات المختصة في مكافحة جرائم الأموال ، خاصة الشرطة القضائية ، بل المفتشية تضع تسفها رهن إشارة القضاء في حال رغبة الخصول على توضيحات، مضيفة أن المفتشية ستساهم ابتداء من سنة 2017 في افتحاص مالية الجهات والأقاليم.
ومن جانبه جدد عبد العزيز المسعودي، عضو المكتب التنفيذي لتراسبرانسي المغرب، طرح مسالة استقلالية كل من المفتشية العامة للإدارة الترابية بوزارة الداخلية والمفتشية العامة لوزارة الاقتصاد والمالية، معتبرا أن خضوعها لسلطة سياسية لوزير الداخلية أو وزير الاقتصاد والمالية يجعلها أجهزة إدارية صرفة ، ويمكن أن يحتكم خروج تقاريرها للعلن مصالح سياسية .
وأكد هذا الطرح رشيد الفيلالي عضو جمعية ترنسبرانسي، حينما اعتبر أن استمرار المفتشية العامة للإدارة التربية طبق التوجه الذي كان قد خطه لها وزير الداخلية الأسبق الراحل ادريس البصري ، يطرح أكثر من علامة استفهام،قائلا" لايمكن لها على أساس القانون الأساس الحالي وخضوعها للوزراء أن تقوم بأي يشيء في مجال الرقابة ومحاربة الفساد"، يشدد المتحدث.
وانتقد في هذا الصدد القوانين التي تم إقرارها لمحاربة الفساد والتي من وجهة نظره جاءت عرجاء، كما هو الشأن بالنسبة لقانون حماية الشهود ، كما انتقد قانون الوظيفة العمومية الذي يكبل يدي الموظف في التبليغ عن الفساد بحجة " السر المهني :، فيما السر المهني يجب أن يعتد به في الأعمال المشروعة وليس في الأعمال غير المشروعة"، حسب عضو الجمعية.
فنن العفاني