فى عام 1972، أصدر الكاتب توفيق الحكيم كتابه «عودة الوعى»، مثيرًا ضجة إعلامية بعد انتقاده الشديد للرئيس جمال عبدالناصر وسياسته وحكمه، واصفًا تلك المرحلة بأنها كانت مرحلة عاش فيها الشعب المصرى فاقدًا للوعى، فى وقت تعرض فيه الزعيم الراحل لحملة شرسة قلبت انتصاراته إلى هزائم وإنجازاته إلى أخطاء، ومن منطلق أن المهمة الكبرى لحامل القلم والفكر هى الكشف عن وجه الحقيقة، وأن رسالة المفكر فى جوهرها هى الصدق والحرية.
كتب «الحكيم» مشاهد ومشاعر للفترة ما بين عامى 1952 و1972، فى كتابه «عودة الوعى»، منتقدًا الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، يقول «عندنا فإن قائدنا الخالد بهزائمه العسكرية المتلاحقة التى غامر فيها بأموال شعب فقير ليحتل أرضه فى النهاية عدو صغير، بقى ليتنصل من هزيمته ويجعل مشيره هو الذى يدفع الثمن بانتحاره، ويقدم قواده إلى المحاكمات وتلقى عليهم التبعات، وحتى من أراد تلميحًا عن فساد أو هزيمة أو نكسة فيجب إبعاد شخص الزعيم عن كل مسؤولية.. وهكذا استمر فى كرسى الحكم على مصر والزعامة الناصرية على العرب جميعًا، تلك الزعامة التى خربت مصر ونكبت العرب».
وقال «الحكيم» فى «عودة الوعى»: «لقد كانت لثورة 1919 هذه الظاهرة العجيبة وهى أنها أيقظت مصر، دون اعتماد على حكام مصر وحكوماتها وساستها وأحزابها، فمصر بعد ثورة 1919 فى حضارتها وفكرها وفنها واقتصادها هى من صنع مصر، وليست من صنع حكامها. أما بعد ثورة 1952 فإن مصر هى من صنع الدولة أكثر مما هى من صنع نفسها. فإرادة الدولة وقراراتها المطلقة التى لا معارضة لها ولا مناقشة هى التى توجه كل شىء فى مصر حتى مجرد الفكر وهذا عكس ما حدث بعد ثورة 1919».
كان توفيق الحكيم يرى إن معنى عودة الوعى لمصر هو استرداد حريتها فى الحكم بنفسها على الأشياء.
كتب توفيق الحكيم «عودة الوعى» كنقد موضوعى للنظام الناصرى، الذى استقبله بالحماسة، والذى تحول شيئًا فشيئًا إلى نظام بوليسى، وأدى إلى هزيمة منكرة من عدو صغير، وذلك بحسب صلاح منتصر فى كتاب «توفيق الحكيم فى شهادته الأخيرة»، يقول «الحكيم»: «اعتدنا عدم التفريق بين النقد والهجوم، وعدم الفصل بين التقدير والتقديس، فتقديس عبد الناصر ألصق تهمة الهجوم ضد كل من يناقش أو ينقد أى عمل لعبد الناصر».
يقول «الحكيم» أيضًا إن بعض الحكام قد يخافون من إيقاظ عقول الجماهير على أساس أنهم لو أيقظوا هذه العقول فستفكر وتتعبهم وهذا غير صحيح، فالحاكم الناجح لا يجب أن يخشى من إيقاظ عقول الجماهير، بل على العكس يسعد بذلك، لأن هذه الجماهير ستؤيده بعقولها المتيقظة، وتأييد العقل أسلم وأبقى وأصح من تأييد الوعى المفقود.
ويؤكد «الحكيم» إنه غير نادم على كتابة «عودة الوعى»، قائلا: «لو لم أكتبه لكان لابد أن أكتبه.. ولو كان عبد الناصر على قيد الحياة لكنت طلبت أن يطلع عليه. وأعتقد أنه كان يوافق على نشره. وإذا طلبت منه كتابة مقدمة له لفعل. فهو شخصية عظيمة فعلا مفتوح القلب والعقل».